إدارة تصريف الأعمال

تم نشره الأحد 02nd حزيران / يونيو 2019 11:46 مساءً
إدارة تصريف الأعمال
د. محمد طالب عبيدات

ربما تكون إدارة المؤسسات من أكثر الأمور إبداعاً وتعقيدأ في نفس الوقت، ببساطة لأن قائد أي مؤسسة كربّان السفينة فإمّا أن يوجّهها لطريق الإبداع والتميز والإنتاجية أو لطريق الهاوية أو النزول أو أقلّها ثبات المؤسسة بنفس المستوى دون صعود، ولذلك أضحى مصطلح وممارسة إدارة «تصريف الإعمال» سمة عصرية هذا الأيام، فمع الأسف فإن هذا النوع من الإدارة يقضي على المؤسسات التي يقودها هكذا أشخاص –وما أكثرهم- لإفتقارهم للغة الإبداع والإنتاجية ومواجهة التحديات والمشاكل والإبقاء على كل شيء بمكانه دون تغييرات تُذكر، وهذا لا يتفق مع رؤى دولة الإنتاج التي يتطلّع لها جلالة الملك المعزّز صوب تعظيم الفرص والإستثمار بالموارد البشرية الكفؤة التي تنال مواقعها إستحقاقاً وعن جدارة وتنافسية.
فمترادفات إدارة تصريف الإعمال كثيرة وربما تشمل «الإدارة بالطَبْطَبَة» أو «سكّن تسلم» أو «الإدارة بالتسكين» أو «الإدارة دون إبداع» أو «الإدارة المرعوبة» أو «الإدارة المرتجفة» أو «إدارة ترحيل المشاكل» أو «إدارة سارحه والربّ راعيها» أو «إدارة السَبهللة» وغيرها من المصطلحات الأخرى التي تصبُّ في خانة تضييع الوقت بالإدارة دون إنجازات تُذكر أو مواجهة للتحديات أو البحث عن المكاسب الشخصية.
والمصيبة اليوم أن بعض المبدعين وأصحاب الرؤى التطويرية يعانون كثيراً في ظل بيئة «إدارة تصريف الإعمال»، حيث أصابع الإتهام تُشار إليهم من مسؤولي «إدارة تصريف الإعمال» وبطاناتهم بالسير بالمؤسسات إلى الهاوية وتضليل مساراتها وإتهامات كثيرة وأنواع أخرى من المُعاناة، فيشعر أصحاب إدارة الإبداع بالغُربة في هكذا بيئة تسكينية، ولذلك تكون نتائج إدارة تصريف الإعمال كارثية على المؤسسات حيث تؤول إلى تفشّي بيئة النفاق والمجاملات وغياب المسؤولية الوطنية وترسيخ المركزية وإختيار الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب وتضخّم الهياكل التنظيمية وتغليب المصالح الشخصية على العامة وإستغلال المال العام وكثير من السلبيات الأخرى التي حتماً ستقود المؤسسات للهاوية.
ومن هنا حتماً تكون إدارة تصريف الإعمال عدواً لدولة الإنتاج التي وجّه جلالة الملك الحكومة الرشيدة إليها، ولا يمكن لهكذا إدارات أن تُحقق شيئاً على الأرض من حيث مؤشرات النمو الإقتصادي أو الحاكمية الرشيدة أو إستغلال الموارد البشرية أو الطبيعية أو إنشاء البرامج العصرية التي تتواءم مع المرحلة وحاجات الناس أو جودة الخدمات المقدمة لمتلقي الخدمة وغيرها من المؤشرات الإيجابية، فإدارة تصريف الإعمال متناقضة تماماً مع لغة الإصلاح الشامل التي تنادي بها قيادتنا الهاشمية ويطالب بها كل الناس هذه الأيام على سبيل ولوج الألفية الثالثة بالإبداع والتميز والإنتاج والجودة والإستثمار والتكنولوجيا وغيرها، فالإدارة المرعوبة لا يمكن أن تُحقق إنتاجية ولا نمو ولا نماء ولا غيره.
ومن هنا مطلوب إدارات إصلاحية وجرّاحة لإستئصال الأورام المتفشّية وإزالة التدرنات المستعصية والمتوارثة مع الزمن، وإدارات غير مرتجفة وتسعى للتطوير والتغيير لا على سبيل التغيير لأجل التغيير بل لأجل إنعكاس ذلك على متلقي الخدمة من حيث تجويد الخدمات وراحة الأفراد وتعظيم العمل المؤسسي والمضي قُدماً لتحقيق أهداف المؤسسة، ومطلوب إدارات شفّافة وتمتلك رؤى إصلاحية وبرامج عمل وخطط تنفيذية على الأرض يستشعر بها كل الناس بدءاً من المرؤسين ومروراً بمتلقي الخدمة ووصولاً للمجتمع المحلي والإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي التي بات صداها الأهم هذه الأيام، وأيضاً لا تخاف ولا ترتجف من قراراتها المعروضة أو المُسرّبة إلى وسائل التواصل الإجتماعي لأنها تأتي عن دراسة وقناعة تامة وفق إستراتيجيات المؤسسة، ومطلوب إدارات غير ناقصة الصلاحيات أو إنتقالية ولديها جُرأة في إتخاذ القرار وفق رؤى عصرية واقعية تطويرية، تؤمن بالتطوير والمساءلة والتناوب الوظيفي والتدوير والإستحداث والبرامج الجديدة والديناميكية بإتخاذ القرار ومأسسة الإدارة وغيرها.
وخلاصة القول أننا نحتاج لمؤسساتنا قادة لا مدراء حتى نرى ألق تميّزها وتقدّمها، قادة يمتلكون الرؤى والجرأة والمؤسسية والإبداع والإنتاجية والنمو وغيرها في إتخاذ القرار، قادة ينتمون لمؤسساتهم ويدعمونها لا يمصّون دمّها وينهبون خيراتها، قادة يرفعون شأن كراسيهم لا ترفعهم كراسيهم، قادة مبدعون خارج الصندوق بمعنى الكلمة لا مُطبطبون ولا مُصرّفون ولا مرتجفون ولا مُسكّنون ولا مُرحّلون للمشاكل ولا مُسهبلون ولا خائفون ولا ولا ولا، ومسؤولية مؤسسات الدولة السيادية أن تبحث عنهم بعيداً عن الواسطة والمحسوبية التي عاثت بمؤسساتنا وخرّبت قصص نجاح الكثير منها، فالحاجة ماسّة وفق الرؤى الملكية السامية لثورة إدارية بيضاء لتصويب مسارات إدارات الكثير من مؤسساتنا لأن مشكلة الإدارة باتت واضحة للعيان!  
*وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق

 
الدستور - الأحد 2 حزيران / يونيو 2019.


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات