نُمُوّ ضعيف
تَوقَّع تقريرٌ جديد أَصدَرَه البنك الدوليّ أن يرتفع نُمُوّ إجماليّ الناتج المحليّ في الأردن تدريجيّاً إلى 2.2 بالمئة للعام الحاليّ، بعد أن سجّل نُمُوّاً بنسبة 2 بالمئة في عام 2018.
التقرير عزا هذا الانتعاش إلى الدور المُتوقّع الذي ممكن أن تقوده الصادرات، وعلى استعادة استقرار الاقتصاد الكليّ، ووجود بيئة خارجيّة داعمة، بما في ذلك الدعم الرسميّ كما ورد في مبادرة لندن، وانخفاض تكلفة توليد الطاقة، واستقرار أسعار النفط الدوليّة.
لكن تبقى هذه المُعدّلات من النُمُوّ المتوقّع ضمن ادنى مستوياتها، فجميع المؤشرات الماليّة تُدلّل على أن اتجاهات النُمُوّ مُقيدّة بالكثير من العوائق والتحدّيات التي تعصف باستدامتها، فالنُمُوّ الحقيقيّ يبقى أسير المتغيرات في المناخ الاقتصاديّ للدولة.
مُنذ نهاية الربع الثالث في عام 2010 والنُمُوّ الاقتصاديّ في اتجاه سالب عكس السنوات السابقة التي تراوحت مُعدّلات النُمُوّ الحقيقيّة بين 5-6 وبالمئة خلال الفترة بين 2003 – 2008.
مُعدّلات نُمُوّ منخفضة يعني وجود جزء من عملية الإنتاج في الدولة لا تعمل وفق طاقتها المُخطط لها، أيّ أن هناك هبوطا عاما في مُعدّلات الإنتاج عند المؤسسات التي تولّد دخلاً وتوظيفا في الدولة، ورغم أن النُمُوّ في الربع الثالث من هذا العام افضل نسبيّاً مما كان عليه في العام الماضي إلا أن الخلل مازال واضحا في الاقتصاد الوطنيّ من تعطل ماكنة الإنتاج لأجزاء رئيسيّة من النشاط الاقتصاديّ.
العمود الرئيسيّ الرافع للنُمُوّ هو التدفقات الاستثماريّة إلى البلاد، وهذه مسألة مُرتبطة بعاملين رئيسيين: الأول مُتعلق بحالة عدم الاستقرار الإقليميّ وتصاعد عمليات العنف في المنطقة، وساهم هذا جليّاً في تجميد التدفقات الاستثماريّة التي كان الأردن يعوّل عليها في خلق وظائف عمل جديدة لألاف الخريجين من الجامعات من جهة، ورفد احتياطيات المركزيّ بعملات صعبة تكون حصنا لسعر صرف الدينار من جهة أخرى.
العامل الثاني مُرتبط بالشأن الداخليّ، فتصاعد أعمال الاحتجاجات والاعتصامات أثرت على الصورة العامة لمفهوم الاستقرار في الأردن والذي كان على الدوام عنصر جذب للمستثمرين وتحفيزهم للقدوم إلى المملكة.
إلا أن السبب الداخليّ الأهم هو ضعف البنيّة المؤسسيّة لبيئة الاستثمار الرسميّ واستسلام المستثمرين المحليين للواقع المحلي والإقليمي وجمودهم في أماكنهم وعدم تحركهم لأسواق غير تقليديّة اعتادوا على التعامل معها.
منذ اشهر ولم يسمع احد عن حملات ترويجيّة لبيئة الاستثمار المحليّة في أسواق الخليج أو الأسواق العالميّة، لا بل أن قانون الاستثمار مازال قانونا مؤقتا وهو يبعث برسالة غير إيجابيّة للمستثمرين الذين دائما وأبداً يتطلعون إلى بيئة أعمال مستقرة تشريعيّاً، للأسف لقد فقدنا في الأردن هذه الميزة بسبب كثرة تعديل التشريعات الاقتصاديّة من قوانين الضريبة والاستثمار والشركات وغيرها.
صحيح أن المساعدات والمنح الخارجيّة تُساعد الاقتصاد الأردنيّ على تجاوز ازمته، لكنه سيكون لوقت قصير جدا سرعان ما سنسمع الأصوات من جديد وهي تنادي بضرورة قدوم مساعدات إضافيّة للخزينة كما هو حاصل في كُلّ عام.
الأساس السليم هو تعزيز بنية العمل المؤسسيّ الاقتصاديّ، وبناء منظومة مُتكاملة من إجراءات إعادة الثقة للاقتصاد الأردنيّ لدى المُستثمر المحليّ والأجنبي معا، حتى يتسنى تحقيق مُعدّلات نُمُوّ مرضية، ولا يكون هذا عن طريق المنح أو الانتظار إلى حين هدوء المنطقة سياسيّاً، بل يكون بالعمل على اختراق بيئة الاستثمار الإقليميّ والدوليّ بخطاب موحد مُستند إلى فريق عمل متخصص مُحصّن بقوانين مستقرة، حينها سيكون باستطاعة الاقتصاد تحقيق نُمُوّ خارج سرب تلك التحدّيات، وإلا سيبقى أسيراً لِكُلّ المتغيرات سواء الداخليّة ام الخارجيّة.
الدستور - الأحد 9 حزيران / يونيو 2019.