نيران غير صديقة
في العالم الغربي تشتمل التقاریر السنویة للوضع الجرمي على بنود تشیر إلى نسب وأسباب وانتشار جرائم إضرام الحرائق ”Arson ”باعتبارھا جرائم خطرة تعاقب علیھا القوانین. في الأردن والكثیر من البلدان العربیة تعتبر مثل ھذه الجرائم محدودة العدد ونادرة الوقوع، حیث تنامت ظاھرة استخدام النیران كأدوات جرمیة في المشاجرات العائلیة وأعمال الثأر التي یقوم بھا البعض كانتقام من أسر وعائلات ینتمي لھا الجناة. خلال السنوات القلیلة الماضیة أقدم العدید من الأشخاص على حرق بیوت وملكیات لعائلات أخرى أثناء وبعد ارتكاب أفراد منھا لجرائم واعتداءات على أرواح وممتلكات وأعراض عشائر أخرى ومع ذلك بقیت ھذه الجرائم في نطاق الحیز الخاص والملكیات الخاصة حتى حلول ھذا العام. لا أذكر أن مر على بلادنا عام تكاثرت فیھ الحرائق مثل ھذا العام. مع أننا في نھایات الربیع ولم ندخل رسمیا الصیف إلا أن الحرائق تشتعل في كل مكان وتتصدر الأخبار وتقلق راحة الأھالي وتنھك قوة الأجھزة وتكشف عن ضعف البنى التحتیة والاجراءات الوقائیة للحد منھا. في كل الأماكن یستغرب الناس كثافة حوادث الحریق ویتساءلون عن أسبابھا. ّ في الغابات والحقول والمقابر والأحیاء والمنازل تشب الحرائق فتلتھم مساحات شاسعة من الغطاء النباتي وتخترق قدسیة المقابر مخلفة مشاعر الخسارة والحزن لدى أھالي وأقارب من دفنوا فیھا وتثیر عشرات الاسئلة حول أسالیب إدارة الفضاء العام والعنایة بھ. في قلب المدن الرئیسیة والعاصمة یترك البعض قطع الاراضي التي تغطیھا الأعشاب ویكسوھا الھشیم جاھزة لتتحول الى بؤر من النیران التي تھدد سلامة الأھالي والملكیات العامة والخاصة المحیطة بھا. خلال أقل من شھر سجلت مختلف محافظات المملكة أرقاما قیاسیة في أعداد الحرائق والخسائر الناجمة عنھا، ففي دیر السعنة وغرب الزرقاء وثغرة عصفور أتت الحرائق على مئات الدونمات من الغطاء النباتي والأشجار والمحاصیل. وفي وادي شعیب أدى غیاب الطرق الزراعیة والممرات الى احتراق اكثر من 400 دونم نتیجة صعوبة الوصول وضعف خبرة
المتطوعین لأعمال المكافحة. الأسباب الحقیقیة لتزاید الظاھرة واتساع رقعة المساحات المحترقة یقلق الأھالي والسلطات ویبعث على التندر حول ما تقوم بھ البلدیات التي تستوفي الرسوم على كل شيء. العدید من الناس یتساءلون عن قواعد وأسس إدارة الفضاءات العامة والاجراءات الوقائیة التي تتخذ للحیلولة دون وقوع الحرائق وتعاظم الأخطار. الأردن الذي عانى ویعاني من شح المیاه وقلة الغطاء النباتي أصبح یغرق أھلھ على شبر من الماء ویحولون الغطاء الأخضر إلى وقود لكوارث كان یمكن تجنبھا. التلوث الذي تحدثھ الحرائق والأخطار التي تتولد عن إضرام الحرائق یمكن تجنبھا او السیطرة علیھا لو قامت ادارات المدن بحراثة الأراضي الفارغة والتخلص من الاعشاب الیابسة والشجیرات التي تشكل مادة للاشتعال. الغابات والمناطق الخضراء تحتاج الى طرق تمكن الفرق والمتطوعین من الوصول الیھا وتنفیذ خطط معدة لمقاومة النیران والسیطرة علیھا. من الصعب المرور على ھذه الظاھرة باعتبارھا قدرا لا یمكن تجنبھ. المطلوب من الدولة بأجھزتھا الوقوف على الأسباب التي أدت الى تنامي اعداد الحرائق واستھدافھا لاكثر مناطقنا الطبیعیة جمالا وتكلیف المؤسسات بوضع خطط وقائیة وتدابیر تمكننا من فھم الظاھرة والسیطرة علیھا. على جمیع المدن والمجالس المحلیة أن تضع خططھا المحلیة للحفاظ على مواردھا واستثمار طاقات الأھالي والأبناء في التصدي لكافة الاخطار بمساعدة الدفاع المدني ولیس بالاعتماد الكامل علیھ. في العالوك والمسرات وعجلون وبعض مناطق المملكة ظھرت مبادرات أھلیة رائدة تحتاج إلى كل الدعم والتأیید والى مزید من الإسناد والتوجیھ. یمكن للبلدیات والمجالس المحلیة واسرة التربیة والتعلیم ان تلعب دورا مھما في الوقایة والمنع والمكافحة والاتصال المتعلق بالحرائق والسیطرة علیھا، لكن ذلك لا ولن یتم بدون توفیر المعلومات والتنسیق وتفعیل غرف العملیات في جمیع مناطق المملكة وبلدیاتھ
الغد - الاحد 9-6-2019