عقدان على “العهد الجديد”
ما أسرع الزمن!! قبل یومین احتفلنا بعید الجلوس الملكي العشرین، وما زالت طریة في الذاكرة أجواء تسلم الملك عبد الثاني لسلطاتھ الدستوریة قبل عقدین وكأنھا جرت أمس. ولنتخیل أن جیلا كاملا لا یقل عن ثلث المواطنین ولد وعاش مع الملك ”الجدید“ ومنھم ابني البكر الذي ولد في تلك الأیام ویدرس الجامعة الآن وھؤلاء بالتأكید لا یفكرون ولا یطرحون الأسئلة بطریقتنا ولیس موضوعھم المقارنة بین عھدین كما بقینا نفعل نحن الذین عشنا عصر الملك الراحل الحسین وما زلنا حتى الساعة ننظر إلى عھد الملك عبد الثاني بوصفھ ”العھد الجدید“. كان السؤال الأول الذي انتصب أمامنا بقلق ھو عن قدرة الملك الشاب على ملء الفراغ الضخم الذي تركھ الحسین وفي البال كل الأزمات الكبرى التي واجھت الأردن وكادت تعصف بھ كدولة وكوجود، وفي البال أیضا الحضور الدولي والإقلیمي للراحل الكبیر والبراعة غیر المحدودة عبر كل الأزمنة في إدارة الدفة والتعامل مع الأمواج المتلاطمة والعواصف العاتیة لابقاء السفینة عائمة رغم أنف كل التوقعات والتنبؤات الحالكة. وما حصل ان أزمات لا تقل خطورة، ّ وعواصف لا تقل ھیجانا، مرت على المنطقة امتحنت القیادة الجدیدة مر ّ ة تلو المرة ابتداء باحتلال العراق وانتھاء بموجة الإرھاب والتطرف التي كان الأردن الأقل تضررا منھا رغم وجوده في عین العاصفة. وظھرت في الملك الجدید نفس عناصر الحكمة والحرص والتوازن والمرونة التكتیكیة مع الصلابة الاستراتیجیة كما ظھرت جلیة ھذه الأیام ایضا في التعامل مع الشأن الإقلیمي والفلسطیني ومع صفقة القرن وھذا النمط من الإدارة الأمیركیة التي یمثلھا ترامب. كحكم اجمالي وفي الموضوع المركزي لأي دولة وھو الأمن والاستقرار فقد حققنا علامة كاملة. لا یمكن لقیادة وضمن ظروف كتلك التي مررنا بھا ان تحقق لبلد افضل مما تحقق للأردن. وھنا تأكید أن المسألة لیست فقط ادارة فنیة وكفاءة اجھزة بل سیاسة ونھج، فالأنظمة القمعیة البولیسیة الدمویة كانت الأكثر فشلا في مواجھة الإرھاب وشعبھا كان الأقل تعاونا وتضامنا مع سل
الدولة في مواجھة بؤر الإرھاب وأذرعھ، بینما شھدنا في الأردن كیف یتحول الناس كلھم إلى جنود متطوعین وكأن الإرھابیین ھم أعداؤھم الشخصیون لأن كل مواطن یحس أن التھدید موجھ إلیھ وإلى أقاربھ ومجتمعھ من أناس خرجوا من العتمة لأجندة وأھداف مشبوھة لا تھدد حیاة الأفراد فقط بل منظومة السلم المجتمعي الذي تحمیھ دولة القانون والمؤسسات. في موضوع الاقتصاد والتنمیة باشرت القیادة الشابة التوجھ نحو تحدیث الاقتصاد ودعم التكنولوجیا الرقمیة واللحاق بركب الثورة المعلوماتیة الصاعدة وقاد ذلك الى نتائج جیدة وریادیة وضعت الأردن في موقع متقدم لبعض الوقت في التقییم. إن التقییم الاجمالي للاقتصاد والتنمیة سیكون خلافیا. وسیكون خلافیا تقییم أثر السیاسة الداخلیة والعوامل الخارجیة، مثل إغلاق الحدود وأسعار النفط، في المسؤولیة عن ارتفاع المدیونیة والعجز وتراجع النمو، لذلك بقیت الإنجازات جزرا في محیط من البطء والمراوحة والتعثر واحیانا التراجع. وعاد سؤال الإصلاح السیاسي والاقتصادي والاجتماعي یطرح نفسھ بقوة یعقبھ السؤال عن السر في ان افكار ومشاریع وخطط الإصلاح إذا اقرت لا تطبق واذا طبقت لا تعود بالنتائج المرجوة ھل ھي مشكلة في النھج والحكومات أم في الثقافة الاجتماعیة أم مزیج بینھما؟ ومنذ أن طرح جلالة الملك الأوراق النقاشیة التي قدمت افكارا رائعة للإصلاح والتطویر والسؤال یدور عن مكمن الخلل، وما ھو الحل؟ وھو أمر انشغلنا وما زلنا ننشغل جمیعا في الاجابة علیھ.
الغد - الاحد 9- 6-2019