رحل سعيد المسحال
ثار قطاع غزة وخرج عن ”بكرة أبیھ“ العام 1953 /1954 ،ضد مشروع لتوطین اللاجئین الفلسطینیین في صحراء سیناء. كان سعید المسحال طالباً جامعیاً في القاھرة، لاجئاً، من قریة الجورة أصلاً. استدعاه الحاكم الإداري المصري في القطاع للقائھ. ذھب وھو یقول في نفسھ،كما ّ أخبرنا عندما زرتھ مع صدیقین في بیتھ في عمان في شھر تشرین ثاني (نوفمبر) 2017“ ،یا خبر أسود، لماذا یریدني الحاكم؟ ما أزال طالباً“. سألھ الحاكم الإداري، تدرس ھندسة البترول؟ كان أستاذ المسحال في جامعة القاھرة سألھ لماذا ھندسة البترول؟ كان الرد، أنّھ یجب أن تكون ھناك طاقات عربیة تستطیع قیادة قطاع البترول لیكون عربیاً وحراً من التبعیة الأجنبیة. قال لھ الحاكم الإداري إنّھ قد یجد عملاً في سیناء عندما یتخرج، حیث یوجد فیھا بترول، فقال لھ الطالب المولود العام 1933 ،عندما أتخرج ”بفرجھا الله“. رحل سعید المسحال یوم 9 حزیران (یونیو) 2019 ،عن الدنیا، لیكون أحد آخر المتبقین من ُ مجموعة قادت مشروع بناء تنظیم ی ّجسد الوطنیة الفلسطینیة. بحسب كلماتھ، ”انشق“ عن الإخوان المسلمین، العام 1953 ،بعد أن كان قیادیاً شاباً أساسیاً، والده أیضاً من وجھاء قریتھم قبل الاحتلال وبعده. كان شاھداً على نشاط والده في المقاومة العام .1948 في غزة كان في مرة یلعب على البحر معھ الشھید عبدالله صیام (أحد قادة صمود بیروت الأسطوري العام 1982 ،(والشھید أحمد یاسین، وجمیعھم انضموا للاخوان المسلمین، كانوا یقفزون في الماء من على القوارب، عندما وقع یاسین على ظھره، وأصیب بالشلل الذي رافقھ حیاتھ، ولكن لم یمنعھ من أن یؤسس حركة ”حماس“. ترك المسحال عدة كتب تروي قصتھ وأفكاره، لماذا ترك الإخوان، تأسیس ”فتح“، قطاع البترول في الخلیج، لم یكن على وفاق مع یاسر عرفات، وبقي غاضباً، حتى آخر حیاتھ.
لعل أحد أھم المحطات التي یرویھا، عندما وقعت حرب العام 1956 ،وأثناء سنوات الاحتلال الاسرائیلي لقطاع غزة حینھا، وكان ھو رئیس اللجنة الإعلامیة في رابطة الطلبة الفلسطینیین، كانوا یصدرون نشرة تسمى ”فلسطیننا“، ویتابعون محاولات التنسیق الفاشلة بین الشیوعیین، والإخوان، وحزب البعث في قطاع غزة، لیجتمع ھو وطلاب منھم كمال عدوان ویاسر عرفات، وزھیر العلمي، وعبدالفتاح حمود، في البیت رقم 24 شارع أمین محمود، في القاھرة، ووضعوا بیانا لعمل فلسطیني خالص. لم تجر متابعة ھذا البیان. لكن نحو العام 1957 ،أو 1958 ،اجتمع سعید وكمال عدوان وخلیل الوزیر، في مقھى اللیدو في غزة و“أقسموا“ أن یعملوا معا للتحریر. ویذھب سعید وعبدالفتاح حمود ثم كمال للعمل في البترول في السعودیة، وھناك یضعون بحسب روایة سعید الأفكار والمبادئ التي ناقشوھا مع خلیل الوزیر، ویاسر عرفات، وكانا في الكویت وكانوا یسافرون للقاء بعضھم، وھو ما أصبح اللبنة الأساسیة في فكرة الوطنیة الفلسطینیة المستقلة، التي جسدتھا حركة ”فتح“. یغادر المسحال إلى قطر لیصبح في الصف الأول في صناعة البترول وصناعات أخرى ھناك، ویتابع أیضاً تأسیس حركة ”فتح“، ویلعب دورا في كل منطقة الخلیج العربیة، ویخبرني المناضل فواز یاسین، في لقاء سجلتھ معھ مطلع العام 2018 ،أنھ كان في البحرین، وكان المسحال (مع ّ آخرین بالطبع) یتابع تنظیمھم ھناك، ویروي كیف قابل المسحال القیادة البحرینیة لیؤكد لھم أن ”فتح“ لیسوا شیوعیین، وأنھ لا یوجد ما یقلق البحرین منھم، بوصلتھم فلسطین. حاولت نھایة آب (أغسطس) 2018 ،الاتصال معھ لتعزیتھ، بتدمیر الإسرائیلیین مركز سعید المسحال الثقافي، في قطاع غزة، وسؤالھ كیف سینھض المركز من جدید، فھو مكان مھم في حیاة الكثیر من الشبان الغزیین، ولروحھم وثقافتھم وھویتھم. لم یرد وعلمت أن المرض ھو السبب. یرحل المسحال أحد مؤسسي الفكرة الوطنیة، وخصوصاً الوطنیة الفلسطینیة، وأحد مؤسسي قطاع وصناعة النفط وغیرھا من الصناعات، في دول الخلیج العربیة، یرحل غاضباً لأسباب كثیرة. ٌ رحل شاھد ُ مھم على المرحلة التأسیسیة، كنت أتمنى لو سألتھ أكثر، خصوصاً عن رفیقھ عبدالفتاح حمود (1933 – 1968 ،(الذي كان كما یبدو من معلومات متناثرة، فاعلا مھما في تطویر فكرة ”الوطنیة الإسلامیة“، أو ”الإسلامیة الوطنیة“، وھذا موضوع آخر.
الخميس - 20-6-2019