الرزاز والسبيل إلى الثقة
مرة أخرى يضرب استطلاع الرأي الصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية حكومة عمر الرزاز، بنتائج الثقة القليلة التي تحصّلت عليها الحكومة بالمجمل. والمتوقع من رئيس حكومة يؤمن بالمعرفة أن لا يرفض أو يغضب من النتيجة ولا أن يبررها، وليس المطلوب أيضاً هجوماً معاكساً برفض النتائج أو حتى مواجهة النتيجة بذكر المحاسن والانجازات للحكومة، هنا على الإعلام الحكومي الإيمان بأن الاستطلاع كشف حساب شعبي بدون فائدة، ام الثقة فهي ثقة مجيرة لحكومة تقطع بالخيار الديمقراطي وتوقف الهدر وتحاسب على الفساد بشكل جدي.
ولربما يسأل سائل ما المطلوب؟ باعتقادنا، الأفضل المضي بالعمل والمحاسبة والانحياز لمطالب الناس المعقولة هو المطلوب، فالحكومات التي تحصّلت على ثقة كبيرة في استطلاعات سابقة لا يعني أبداً أنها كان أفضل من حكومة الرزاز في الاداء، ولا هي أكثر انجازاً.
هذا لا يعني أن الرزاز وحكومته بلا اخطاء، لكن ما الضير بان تكون الثقة متدنية في العام الأول وحتى الثاني، والحكومة فعليا لم تقم إلا بالواجب المناط بها وربما برأي المواطن للآن قامت بأقل مما هو مطلوب، فلماذا تمنح ثقة مرتفعة.
اليوم نشهد صدعاً كبيراً ليس بين النخب والعينة الوطنية والحكومة، بل ثمة صدوع اجتماعية كبيرة بين الريف والمدينة، وبين النخب نفسها، التي لها شكل خاص من العلاقة مع الحكومات.
وثمة ثقة مفقودة بين المواطن وممثليه في البرلمان، وهناك شعور بان اقتصاد السوق هو الذي ينجح فيفرز طبقة من الأثرياء المتوحشين، ومن وجهة نظر العامة على الحكومة وقف هذا الوحش عن ممارسته، كما تجلى الحال مؤخراً في الموقف من الدواء ولاحقاً ارتفاع سعر الدجاج.
لا علاقة قطعاً لسعر الدجاج بالثقة بالحكومة، لكن المزارع الذي تم تدميره وتدجينه للقبول بسياسات معينة، متأثر، وينظر سلباً للحكومات، ولسكان المدن الذين يأكلون محصوله بأرخص الأسعار، بعد سلسلة من الآمال التي يبنيها عادة لموسم زراعي أفضل، لكنها تتحطم بعوامل التسويق وسيطرة مرابي التسويق على محاصيلهم، فترويض القطاع الزراعي كان ملمحاً حاسماً من ملامح العملية التاريخية التي افرزت المجتمع الراهن.
والخيبات الكبيرة التي كان قد أشار إليها تقرير حالة البلاد الذي أخرجه المجلس الاقتصادي الاجتماعي بجرأة غير معهودة وعلى درجة من العلمية، يؤكد أن حكومة الرزاز جاءت على مجتمع محطم متآكل البنى، وفي ظل نمو المصالح بين طبقة محدودة، وبالتالي ثراؤها الفاحش في مقابل اتساع جيوب الفقر.
لكن التجربة الرزازيّة تغرينا بتتبع مسار وصفة الرجل المصلح في الحكم، والمنظر والمؤمن بالتحديث، وكل هذا غير مهم بالنسبة لمربي ماشية في الجفر، او المفرق، فالمهم لهؤلاء رجل دولة وفريق يكبحا جماح الجشع لدى بعض من كبار تجار اللحوم والأعلاف، وكذلك الحال لمزارع في غور نميرة أو فيفا.
قد يكون من المهم والمفيد اليوم، مناقشة مسارنا الديمقراطي وليس الثقة بحكومة الرزاز ومستوياتها، وعلى الرغم من أهمية ذلك، إلا أن الانفصال عن الماضي مهم، وبالتالي عدم محاكمة الرزاز في ظل إرث الحكومات السابقة من الثقة، فما حصلت عليه الحكومة نتيجة طبيعية غضبت أم فرحت، فما القيمة لثقة عالية بحكومة مثلاً تزوّر بعهدها نتائج الانتخابات؟! كما أنه ما الحاجة لثقة بحكومة لا تستطيع تأمين تعليم افضل، او خدمات نقل حضارية، أو توقف توحش قطاع الأدوية وفساد الغذاء والدواء الذي بات كبيراً ومستعصياً.
ما نحتاجه من الرزاز كل ذلك، وعندها فليأخذ الثقة التي يريد.
الدستور -