السياسة وإعادة تعريف الثقافة الشعبية
التعبیرات الشعبیة التي تفسر أحوال السیاسة أو الاقتصاد أصبحت الیوم تحمل الكثیر من المفارقات والتناقضات، في الوقت الذي تعكس فیھ تلك التعبیرات صدقا مجتمعیا ومعاناة حقیقیة، فھي تحمل ایضا الكثیر من التزییف والارتھان لأفكار مثل التآمر وتعمیم الفساد والافساد، بینما الاكثر حرجا وواقعیة أن الثقافة الشعبیة تسجل في ھذه اللحظات الحالة الأشد قسوة ووضوحا في الاحباط والشعور بالیأس من السیاسة المحلیة والتفاعلات الاقلیمیة والدولیة ومن الاقتصاد واحوال العیش، وھذا ما یستحق كلاما جدیا حولھ. یغلب على الثقافة الشعبیة طابعھا الشفوي والعفوي الموروث، وعادة ما تجسد ھذه الثقافة تجارب المجتمعات المحلیة في مختلف نواحي حیاتھا، ولا تعني شفویة الثقافة بأنھا مجرد ثقافة حكي، أو وقوعھا في دائرة السطحیة والبساطة، الثقافة الشعبیة في حقیقة الأمر تعبر عن خلاصة تجارب اجتماعیة عمیقة، وعن خبرة ھذه المجتمعات في علاقاتھا مع الآخرین والبیئة والتاریخ، وتعبر أیضا عن خلاصة موقف سیاسي عمیق ومدھش قد یتم اختصاره على شكل نكتة سیاسیة أو قول مقتضب أو مثل شعبي یختصر ویتجاوز ربما مناھج علمیة في تحلیل الوقائع والأحداث. كما تتسم الثقافة الشعبیة بأنھا لا تخضع للرقابة الرسمیة والمؤسسیة ما جعل ھذا النمط من الثقافة أكبر منتج لأشكال متعددة من التعبیر السیاسي، الذي قد یحمل أنماطا ثقافیة تبریریة، حینما تلجأ الجماعات الشعبیة للتعبیر بطریقة ما عن عجزھا في نیل مطالبھا، وأحیانا ثقافة تستر وترفض الاعتراف بالواقع، بل تضع ستائر تحجب عنھا الرؤیة اي انھا لا ترید ان ترى الواقع وتعیش لحظة انكار، وأخرى ثقافة مقاومة، وثقافة تغییر ونشر قیم جدیدة، وبكلمات أخرى الثقافة الشعبیة تعد مستودعا ضخما یمكن توجیھھا بالطریقة التي نریدھا. لماذا الثقافة الشعبیة أحد جسور نشر قیم الدیمقراطیة في المجتمعات المحلیة الأردنیة؟ لأنھا الأقرب لوجدان الناس والأكثر قدرة على الانتقال من ثقافة أولیة الى وعي ومعرفة متقدمة، ثم میل قیم ومعاییر الثقافة الشعبیة المحلیة نحو قیم العدالة والمشاركة والرغبة في التغییر الى
جانب حسھا العالي بالمساءلة. بالطبع ؛ تملك الثقافة الشعبیة وظیفة اجتماعیة تبریریة واقناعیة تفوق غیرھا. توجد مشكلة حقیقیة في الثقافة السیاسیة السائدة في الأردن، أخذت تتضح منذ بدایات التحول نحو الدیمقراطیة قبل 30 عاما، تتمثل في ابتعاد خطاب الإصلاح والتنمیة السیاسیة وجھود نشر ثقافة حقوق الإنسان، عن واقع الناس المعاش وتحدیداً في المجتمعات المحلیة، أي أن الثقافة التي تحاول ان تنشر بذور التحول الدیمقراطي قُدمت للناس بطرق ومضامین بعیدة عن تجارب وخبرات وتراث مجتمعاتھم، لذا طالما تعاملت معھا ھذه المجتمعات بأدنى درجات الجدیة أو الاھتمام، الأمر الذي نلمسھ في تجنب المواطنین في تلك المجتمعات عن ممارسة المشاركة السیاسیة بأدواتھا المعاصرة التي تسھم في بناء مجتمع دیمقراطي على المستوى الوطني، على الرغم من ان أعلى نسب الذین یذھبون الى صنادیق الاقتراع من ھناك، وھم أكثر فئات المجتمع في ضعف ممارسة السیاسة والضغط، وبناء التحالفات في الوصول الى المصالح، بینما تسود سیطرة الأشكال التقلیدیة في الممارسة السیاسیة وعلى رأسھا ھیمنة العلاقات القرابیة، وسیطرة القبائل والعشائر على السیاسة المحلیة. ماذا یقول الناس، وكیف یعبرون عن مواقفھم من الحكومة والبرلمان عن غلاء الأسعار والبطالة وعن ارقام الفقر الحقیقیة، عن تقاریر المخابرات الأمیركیة حول أسلحة إیران ومصیر صفقة القرن وماذا یجري في الخلیج الجدید، ھذه ھي الثقافة الشعبیة الیوم ولیس ما كنا نعرفھا سابقا.
الغد- السبت 29-6-2019