الشعب المسلح

منذ عقود تبرز اطروحة رسمیة تتحدث عن جمع السلاح المنتشر بین ایدي المواطنین او على اقل تقدیر اعادة تنظیم امتلاك السلاح وترخیصھ واستخدامھ، وتبدو سنوات الصیف الحار ھي الاكثرحضورا في ھذه المناقشات، والتي لم تسفر عن نتائج في السنوات السابقة، سوى ازدیاد تجارة السلاح غیر الشرعي وتكدیسھ وتحدیدا في سنوات ھذا العقد بالتزامن مع الفوضى الاقلیمیة المحیطة
وازدیاد حجم تجارة السلاح المنظمة وغیر المنظمة وتجاوزھا لحدود المعقول.
مصادر رسمیة شكت في السنوات الاخیرة بان تجارة الاسلحة قد تضاعفت اربعة اضعاف بفعل الظروف الاقلیمیة وتحدیدا في فترة اشتداد الحرب في سوریة، وتذھب الارقام غیر الرسمیة الى وجود نحو ملیون قطعة سلاح بین ایدي الأردنیین من المسدسات والبنادق والرشاشات واجھزة التفجیر والقنابل وغیرھا.
وجود ھذه الكمیات الضخمة من الاسلحة غیر القانونیة لا یبرره الشعور بالقلق من الاحداث في المحیط الاقلیمي، فلطالما كان الشعور بالتھدید موجودا ومنذ عقود طویلة،وفي ھذا السیاق یفھمسماح الدولة باقتناء السلاح في حدود معینة وتحت المراقبة في فترات سابقة وضمن اطر قانونیةواحیانا یتم تجاوزھا، في المقابل نجد ان الانتشار الواسع للاسلحة في السنوات الاخیرة لا یبرره شيء اكثر من التجارة ومحاولات التھریب عبر الحدود، ومن المفارقات ان ھذه المرحلة قد شھدت ایضا نموا لتجارة الاسلحة على الانترنت، فعلاوةعلى ما یسمى الانترنت المظلمة التي تنتشر فیھا
تجارة السلاح والمخدرات والدعارة والجریمة ظھرت في السنوات الاخیرة صفحات لأردنیین علىشبكات التواصل الاجتماعي لتجارة السلاح تروج وتسوق لانواع عدیدة من الاسلحة وعلى عینك یا
تاجر كما یقول المثل الشعبي.
ھناك مشكلة في العالم كلھ في مسألة اقتناء السلاح، وعلى رأس قائمة الدول التي تعاني من ھذه الظاھرة التاریخیة الولایات المتحدة حیث ما تزال معظم الولایات تسمح بموجب القوانین باقتناء السلاح، وھو حق دستوري باءت جمیع محاولات تعدیلھ بالفشل خلال العقود الماضیة، ما یفسر جانبا واسعا من حجم الجرائم في ھذا البلد “ ھناك 56 % من جرائم الاعتداء و 30 % من السرقات و 39 % من جرائم الاغتصاب و 65 % من جرائم القتل التي تم إبلاغ الشرطة عنھا العام 2014 ارتكبھا أشخاص معروفون لدى السلطات القضائیة الأمیركیة بامتلاكھم الاسلحة الاتوماتیكیة “ وارتكبت ھذه الجرائم باستخدامھا، بالمقابل فمعظم دول العالم المتقدمة الاخرى منعت او نظمت اقتناء السلاح بشكل صارم.
النقاش الدائر الیوم وسط الأردنیین یحتاج الى جرعة من الواقعیة، فلا یمكن سحب السلاح من بین ایدي الناس بین لیلة وضحاھا، وفي نفس الوقت لا یمكن بأي حال من الاحوال الاستمرار في ھذا الوضع، والنقطة المركزیة تبدأ من تغلیظ عقوبات الاتجار بالسلاح واقتناء السلاح غیر المرخص والاھم من ذلك الجدیة الفعلیة في منع استخدام الاسلحة الناریة بمناسبة وبدون مناسبة، فقبل ان نتحدث بحماسة عن جمع الاسلحة ومنع الاقتناء على الدولة ان تشعر المواطنین انھا قادرة على منع اطلاق النار في الاعراس وانھا جادة في ایقاع العقاب على كل من یفعلھا بدون تردد.

بعد ذلك، وفي المحصلة فإن منع الاتجار بالسلاح ومنع اقتناء السلاح بكافة اشكالھ سیكون غایة نبیلة وھي الضمانة الحقیقیة لمكانة القانون وایمان المجتمع بأكملھ بأن القانون یعمل من اجل الجمیع، علینا ان نتذكر اطروحة الشعب المسلح في أحد الاقطار الشقیقة إلى أین قادت.

الغد