“اشتقنالك”
لم أفهم تماما ما قصدته اللجنة التحضيرية لمهرجان جرش من استخدام “اشتقنالك” كشعار للمهرجان في دورة هذا العام. أهو اشتياق للمهرجان أم لمطرب بعينه أم للفرح.. أم ماذا؟ وما أزال أتأمل الشعار.
في كل مرة أدخل فيها حرم المدينة العتيقة أستذكر إطلالة النجوم وهم يتوافدون بفرح وحب إلى ساحات ومدرجات جرش ويلتقون بآلاف الناس ممن حضروا من مدن وبلدات الأردن لحضور الافتتاح والتجوال في اركان المدينة التي ظلت منارة فرح وميدانا للتلاقي تزهو بأعمدتها وتشهد على تاريخ حافل من الفكر والعمل والعطاء.
في خلفية الصورة الذهنية لمهرجان جرش يبدو الدكتور عدنان بدران ومازن العرموطي وبقية كوادر جامعة اليرموك الى جانب السيدة ليلى شرف والمرحومة انعام المفتي ونجوم ونياشين ضباط الحرس الملكي ورجال الشرطة وهم يضعون اللمسات الاخيرة على الموقع قبل تشريف راعي الحفل.
منذ اكثر من ثلاثين عاما وقف على خشبات مسارح جرش المئات من الفنانين العرب والعالميين وأدت أشهر الفرق وصعد العشرات من المتطلعين للاضواء والنجومية. من على خشبات مسارحها اطلت فيروز وغنت سلوى قطريب وانغام، وسلطن محمد عبده وطلال مداح، وصدح جورج وسوف وتألقت نجاة الصغيرة وكاظم الساهر وهاني شاكر، وعلى مسارح المدينة ولدت نجومية العشرات فشاركت نجوى كرم ومحمد منير وأصالة نصري ونبيل شعيل وماجدة الرومي وراغب علامة ولطفي بشناق. وكل مكان فيها ما تزال اصداء الالحان ووقع اقدام وخيال ملحم بركات وصباح فخري وهما يشعلان المسرح برقصاتهما ودورانهما كما تسكن بحة سعدون جابر وانفاس سميرة سعيد وغيرهم.
على اعمدة المدينة بقايا من الصور الشعرية التي رسمها محمود درويش وانشدها سعيد عقل وصنعها جوزيف حرب. في المدينة شيء مما حرض عليه ادونيس وتغنى به حيدر محمود واعاد احياءه حبيب الزيودي. في زوايا المدينة مفردات قصائد الابنودي ونحته احمد فؤاد نجم.
العشرات من نجوم الفن الأردني والعربي انطلقوا في رحلاتهم بعد ان مروا على مسارح المدينة ليعودوا لها بالكثير من الشغف والحنين. في هذا العام وكما في السنوات السابقة يقف عمر العبداللات وديانا كرزون ويحيى الصويص وزين عوض وكارولين ماضي على مسارح جرش يبثون روح الخطاب الأردني المنحاز للحياة، ينتشر عشرات الفنانين الأردنيين على مساحة الوطن لبث الفرح والحب والتفاؤل على مسارح المفرق والزرقاء وسائر بلداتنا.
الخبرات التي اكتسبتها الكوادر والقيادات الثقافية التي توالت على ادارة المهرجان شكلت مخزونا معرفيا يمكن الركون اليه في احداث نهضة فنية ثقافية تسهم في الحد من منسوب التوتر وتقلل من نزعة العنف وتساعد على تقبل الآخر وتعبر عن انحيازنا للحياة. تحية للعشرات من الرجال والنساء الذين صنعوا ثقافة الفرح واوجدوا الاطر التنسيقية الفاعلة للعمل. شكرا للدكتور مازن العرموطي مهندس أول إطلالة لجرش، ولأكرم مصاروة الذي ادار المهرجان لسنوات، وجريس سماوي ومحمد ابوسماقة، وللمدير الحالي ايمن سماوي الذي اضاف بعدا محليا مهما لمسيرة المهرجان، والتقدير لشعرائنا وفنانينا الذين آمنوا برسالة الفن وحرصوا على الاستمرار رغم كل التحديات.
مهرجان جرش الذي انطلقت فعالياته الخميس الماضي يرفع شعار “اشتقنالك”. للوهلة الاولى تظن ان المهرجان قد توقف لسنوات ثم عاد قبل ان تتذكر انه كان منعقدا في العام الماضي وكل السنوات التي سبقت فهو حدث ثقافي فني مستمر أخذ مكانه على خريطة الفن والثقافة العالمية.
الاشتياق الذي قصده المنظمون لا يرتبط بغياب المهرجان بمقدار ما يعبر عن رغبتهم في وضعه بصيغة افضل يتطلع لها الجميع. لو كنت مكان الاصدقاء لابتعدت قليلا عن حكاية الاشتياق وبحثت عن شعار آخر ينقل صورة الارتباط بين الثقافة والسياحة والتنمية وإسهامات الفنان الأردني والمجتمع المحلي التي حرص عليها المنظمون.
الغد - السبت 20-7-2019