من بناء السلام إلى صناعة الخوف
تصريحات الرئيس الاميركي الاخيرة حول عدم استعداد بلاده لحماية مضيق هرمز اثار الكثير من التساؤلات والشكوك حول ما جرى ويجري في الخليج وبقية اطراف العالم العربي. المخاوف التي يعبر عنها الاشقاء في الخليج العربي حقيقية ومعقولة لكن السؤال الاهم والاكثر يتعلق بحجم هذه المخاوف وآلية تصعيدها والغاية من تواتر حوادث اختطاف الناقلات واسقاط الطائرات واخيرا موقع التصريحات التي ادلى بها الرئيس الاميركي وعلاقته بكل ما حصل ويحصل.
التهديدات التي يواجهها الانسان اليوم تأتي من العلاقات التي تقيمها الدول والجماعات مع بعضها البعض. حجم التهديد الناجم عن نزعات الاستبداد ومحاولات الهيمنة والغطرسة وفرض الارادة يفوق بكثير التهديدات التقليدية التي كانت وليدة العلاقة غير المتوازنة بين الانسان والارض. الادوات والوسائل والاساليب المعاشة للانسان لم تكن كافية للحصول على كميات كافية من الغذاء او بسط نفوذ الانسان على الكائنات والظواهر والموارد التي كانت تتحكم في وجوده. عبر تاريخ الانسان الطويل كان الانقلاب المناخي او انتشار وباء من الأوبئة كافيا لإبادة نصف سكان الارض.
اليوم يعاني الانسان من مخاوف وقلق البطالة والفقر والجوع والمرض والارهاب وكافة المصادر التي يمكن التغلب عليها لو تغيرت السياسات والايديولوجيات وانماط العلاقات السائدة بين الامم والشعوب والديانات والاعراق. في عالم اليوم الكثير من المخاوف والتهديدات التي جرى توليدها وادارتها والتحكم فيها لخدمة انانية القادة وشهوات السيطرة وتجسيد نظرة الاستعلاء لدى زعماء وقيادات القوى العظمى والكيانات الطامعة.
هشاشة الدول والانظمة غير الديمقراطية وترددها في تبني اصلاحات جذرية تحقق التنمية جعل منها اهدافا سائغة لأطماع القوى ورهن مقدراتها التي اصبحت اهم عناصر تحريك اهتمام العالم بها.
بدون السياسة ومحاولات الهيمنة التي تمارسها القوى الاستعمارية على دول وشعوب العالم الفقير والنامي يوجد لدى الناس الكثير من المخاوف التي تزعجهم وتقض مضاجعهم.في الحديث اليومي بين الافراد من مختلف الطبقات والخلفيات اشارات واعية واخرى عفوية للخوف. فالناس يخشون على حياتهم ومستقبل ابنائهم والجميع ينشد الاستقرار ويتطلع للازدهار. الجمل والتعبيرات التي يستخدمها البعض للتعبير عن الخوف متعددة ومتنوعة “يا خوفي” او “انا خايف” او “شيء بخوف” او “مش خايف”. بالمقابل يرى البعض ان الشجاعة في مواجهة المخاوف والتغلب عليها فينظرون للمخاطر والتهديدات كفرص لتحسين كفاءة استجاباتهم وتطوير امكاناتهم وتحويلها إلى فرص للتقدم والمنعة.
على الصعد الانسانية الاجتماعية تتنوع مصادر الخوف وتتبدل من وقت لآخر لكنها تدرك من قبل الافراد من منظور خطورتها ودرجة تهديدها للانسان ووجوده وتطلعاته. الجوع والمرض والموت والفقر والفشل وفقدان الاعزاء مصادر تقليدية للخوف وعوامل اساسية في توجيه الانسان لبناء منظومات متنوعة للحماية والدفاع وصولا إلى حالة الحفاظ على المنجزات والتوازن وتوفير الاجواء التي تمكن الافراد من العمل والانجاز بعيدا عن التهديدات والاخطار.
مواجهة الاخطار كانت الدافع الاساسي والمحرك الاهم لعجلة الحضارة فتحديات المناخ والحروب والحريق والفيضانات دفعت بالإنسان إلى بناء البيوت وانشاء السدود وتصريف المياه وايجاد انظمة تخزين وحفظ الاطعمة وتشييد الحصون وابتداع الاسلحة.
من المؤسف حقا ان ترتد البشرية عن انجازاتها وتعمل على توليد الخوف والفزع والارهاب من خلال قرارات سياسية لا تخدم إلى شهوات التسلط والهيمنة والغاء الآخر. الاسلحة التي كانت للدفاع عن الانسان ووجوده تتجه اليوم إلى صدور الاعداء الافتراضيين من البشر.
الغد= الجمعة 26-7-2019