الأنباط على المقصلة اليهودية!
لا أعرف ما الذي يمكن ان يقوله الحارث الثالث اكثر ملوك الانباط شهرة لو كتب له ان يستمع إلى الادعاءات اليهودية التي تلغي تاريخ شعبه وحضارتهم. وهل ستصمت شقيلة على هذه المزاعم التي لا تعترف بوجود امة او بشر على الارض غير اليهود. قصة الشعب المختار تسيطر على فكر ووجدان ومعتقدات اليهود فهم لا يعترفون بأحد غيرهم والجميع ينتمون إلى طبقة لا ترقى لمستواهم .الارض وما عليها لا قيمة ولا معنى لهما الا اذا كانت يهودية فالاشياء تكسب قيمتها بالتهويد.
لم يكن ظهور العشرات من المتدينين اليهود في البترا وهم يمارسون طقوسهم الدينية على الاراضي الأردنية حدثا عاديا ولا برنامجا ترويجيا للبترا كما انه لم يكن على جدول فعاليات هيئة تنشيط السياحة فقد اثار المشهد الحس الوطني والقومي والديني لدى ملايين الأردنيين ممن عبروا عن الاستياء والغضب لا لانهم لا يرحبون بالسياحة ولا يريدون لها ان تزدهر بل لأن الحادثة تؤكد مخاوفهم من الاطماع التوسعية للكيان الصهيوني واستمرار استخدام اليهود للقصص والروايات التلمودية لتسويق مشروعهم التوسعي في المنطقة والاقليم.
الحادثة التي نقلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي جزء من جهد منظم ومدروس تقوم عليه منظمات ومؤسسات يهودية ويجري تنفيذه ضمن مواقيت مدروسة وبالتزامن مع انشطة اعلامية اخرى. في السنوات التي اعقبت توقيع معاهدة السلام كانت البلاد تعج بحافلات السياح الاسرائيليين واليهود ممن جاؤوا لزيارة مناطق بعينها فقد جاؤوا إلى البترا في محافظة معان ووادي رم في العقبة وتوقفوا في ضانا والسلع وعفرا وعيمة في الطفيلة وطافوا في مناطق حسبان متجنبين ذيبان والوالة وامضوا امسيات على جبال جلعاد وبعض التلال الواقعة إلى الشرق من جرش وتجولوا في الصحراء الأردنية طولا وعرضا.
في قرية عيمة الواقعة إلى الشمال من مدينة الطفيلة يقع بستان مهجور لعائلة من عائلات القرية التي هجرته بعدما انتقل افرادها للعيش في عمان. البستان الصغير الذي يحتوي على بعض اشجار الزيتون والعنب يرويها نبع ماء شحيح وتحيط به بعض اشجار الصفصاف اصبح مزارا لجموع السياح الذين استسهلوا السير على الاقدام لمسافة تزيد على ستة كيلومترات ذهابا وايابا دون ان يعرف الاهالي سر هذا الاقبال على هذا المكان الذي هجره اهله منذ سنوات.
مسلسل الاطماع الاسرائيلية في الأردن لا ولن ينتهي فقد اعد اليهود الخطاب الايدلوجي الفكري وها هم يتحرشون بنا تارة بالسياحة واخرى بالتهديد واحيانا بتصوير افلام واعداد تقارير تعمل على ربطهم بهذه الارض وعلاقتهم التاريخية بالمكان.
الاستجابة الأردنية لتهديدات الايدلوجية الصهيونية محصورة في الرفض والاستنكار والغضب. المطلوب بناء علاقة قوية ومنطقية بين الأردني وارضه والا يصور الأردني وكأنه طارئ على هذا المكان وصله قبل ايام. لا بد للاطفال ان يعرفوا اسماء الحضارات العربية التي تعاقبت على هذا المكان؛ المؤابيون والادوميون والعمانيون والانباط والغساسنة والامويون والعباسيون والعثمانيون. لا بد للاطفال ان يعرفوا اسماء الجبال والسهول ويتعلموا قصص وتاريخ اهلهم واسلافهم مع كل كهف وواد وقمة جبل.
الأردن الذي يقف على اعتاب المئوية الاولى لتأسيس الدولة واجه وما يزال يواجه مشكلات وتحديات متنوعة يتعلق بعضها بأمن البلاد ويرتبط بعضها الآخر بالقدرة على الاستمرار والازدهار في بيئة مليئة بالمخاطر والتحديات. التهديدات والمخاوف المرتبطة بالوجود و النوايا التوسعية الصهيونية والضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها الأردن عوامل لازمت الدولة منذ تأسيسها واستطاعت البلاد التعامل معها وتحييد الكثير من آثارها على كيان الدولة ومسيرتها.
عبارات “خصوصية المرحلة” و”دقة الوضع” و”منعطف خطير” كانت وما تزال تستخدم لوصف الحالة التي تمر بها البلاد. في كل مرة يجري فيها الحديث عن الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تدخل هذه العبارات على ادبيات الخطاب السياسي والاعلامي لكنها لا تشكل دافعا كافيا لبناء برامج وطنية لدفع الاخطار وخلق خطاب وطني قادر على تحصين الامة والمجتمع من الاخطار والتحديات المتزايدة.
الغد- الاثنين 5-8-2019