الوجه الآخر للتجارة الإلكترونية
قبيل عطلة العيد فيما وصف بجلسة المصارحة بين الحكومة واللجنة المالية في مجلس النواب ، اشتكى وزير المالية من تراجع إيرادات الخزينة عما هو متوقع ، وعزا ذلك لأسباب عديدة منها السجائر والتوسع الذي حصل في التجارة الالكترونية ، كلا السببين كانا مصدرا للتوجس والتخوف من ان هذا الإعلان يمهد لمزيد من الضرائب لسد العجز المتوقع في الموازنة.
في كل الأحوال يعكس التحول والتغير في الايرادات انعدام قدرة الحكومة وأجهزتها على مواكبة المتغيرات التكنولوجية وأخذها بعين الاعتبار لدى إعداد الموازنة ، إضافة إلى ان التقديرات عندما تحيد عن المتوقع فإن هذا إعلان عريض عن الفشل في قراءة التوقعات، وطالما نحن بصدد الحديث عن الموازنة ، فأعتقد اننا يجب ان نعتذر لصندوق النقد الذي عارض التحول في دعم الخبز عندما تم اقتراحه قبل ان يكون هناك قاعدة بيانات رصينة تساهم بإحداث التحول نحو دعم المستحقين بدلا من دعم السلع العشوائي، وهذا موضوع آخر يحتاج إلى مقالة خاصة.
في موضوع التجارة الالكترونية والحديث عن تراجع إيرادات الخزينة الذي نجم عنها ، يجدر بنا ان نتذكر ان هناك طرفا مستفيدا ، وهذا الطرف هو المستهلك المفروض انه هدف العملية التنموية، والاستفادة لا تتمثل فقط بالجمارك الضائعة التي نعتبرها حقا للدولة ، لكنها تتمثل بالفارق الكبير بين سعر السلعة عندما يتم استيرادها مباشرة، وفرض النسبة القانونية للجمارك والسعر السائد في السوق لبعض السلع التي تبين للعديدين بأنها كانت تباع بأضعاف كلفها الحقيقية حتى بعد إضافة الرسوم والجمارك وما إلى ذلك من نفقات إضافية.
كل هذا يعني ان فتح الأسواق وتشجيع المنافسة يمكن ان يساهم بتخفيض الكلف على المستهلك النهائي . وهذا ينسجم مع النظرية الاقتصادية الكلاسيكية التي تنادي بخفض كلفة المعاملات والحد من الوسطاء ، وفي اطار التحول الاقتصادي والتطور الهائل في التكنولوجيا يجب الا تقف الحكومة واجراءاتها لوقف توجه يتنامى عالميا، ونقول نعم لتحصيل الحكومة ايراداتها، لكن الفزع من تراجع الايرادات يجب الا يؤدي إلى الاستمرار بحماية بعض الاحتكارات ووقف التوجه نحو سوق مفتوحة تخدم المستهلك النهائي ، ويمكن التفكير بالتكنولوجيا كأحد وسائل تمكين المستهلكين وتعزيز المنافسة ، ويمكن ان يؤدي هذا النوع من السياسات إلى تحسين الايرادات إذا ما أحسن توظيف التكنولوجيا لخدمة الحكومة والمستهلك وتعزيز قيم المنافسة.
ما يحدث ونسمعه من قصص على الجانب العملي للحد من التجارة الالكترونية هو الهامش الكبير الممنوح لمقدري الجمارك بحيث ان بعض الرسوم تجعل السلعة المستوردة مباشرة اغلى من سعر ذات السلعة السائد في السوق، وهذا لا يستقيم مع مبادئ التجارة الحرة ويشكل محاولة يائسة للاستمرار بحماية ترتيبات تجارية عفا عليها الزمن بحجة حماية إيرادات الخزينة.
التطورات التكنولوجية لها حسناتها ومساوئها، ومن حسناتها انها مكنت المستهلك من الاطلاع على الأسعار محليا وعالميا، وبالتالي اجراء المقارنات اللازمة ، لنذكر فقط ان كبريات الشركات العالمية من “علي بابا” إلى “امازون” إضافة إلى الكثير من الخدمات المالية والسياحية والعلاجية وغيرها باتت تمثل كبريات الشركات العالمية ، كلها قامت على المبدأ البسيط للتجارة وتوفير المعلومات، ونحن نسعى لاستقطاب بعض أنشطة تلك الشركات، وبذات الوقت يفزعنا تراجع الايرادات بسبب فطنة بعض المستهلكين وتوظيفهم التكنولوجيا، لنكن جديين وبعيدي النظر في التعامل مع التحديات قبل الحديث عن النمو وتعزيزه.
الغد - الاحد - 19=8=2019