تقسيم اليمن... هذه المرة مختلفة
ثمة من بشّر مبكراً، بانقسام اليمن أو تقسيمه بالأحرى ... المؤسف أن هذه الأصوات صدرت من عواصم لطالما عبّرت عن عميق اهتمامها باليمن وحرصها على وحدته ورفاهه واستقلاله وسيادته، ورددتها عناصر يمنية بدوافع مختلفة ... اليوم، وبعد كل ما حصل ويحصل في عدن، عاصمة الجنوب، والمدينة الثانية، يبدو أن طريق اليمن لاستعادة وحدته قد باتت شائكة، وربما غير سالكة على الإطلاق.
لا نريد إلقاء اللائمة على الخارج وحده، لا هذه الدولة ولا على تلك، فأسباب الانقسام موجودة في الداخل، بيد أن حرب السنوات الخمس العجاف الفائتة، وتضارب أجندات الدول المتورطة في الحرب، وارتفاع أكلاف إدامتها، سياسياً ومالياً وبشرياً، سرّعت في مسارات التقسيم، وحوّلت «الاحتمال المجرد» إلى «حقيقة قائمة»، ودائماً لخدمة مطامح خارجية بالأساس، لا صلة لليمن واليمنيين بها.
هذه المرة، تبدو القصة مختلفة كثيراً عن محاولات انفصالية سابقة ... اليمن إما أن يكون موحداً في إطار «فيدرالي» أو «لا مركزي عميق»، أو يكون مقسماً ... وهو إن انقسم هذه المرة، فلن يعود إلى شمال وجنوب ... فالشمال معرض لانقسامات لاحقة، والجنوب بالأخص، معرض لموجة من الانقسامات، وقد ينتهي إلى نشوء عدة دول على مقاس مدنه الرئيسة، فنصبح أمام «الدولة/الإمارة – المدينة»، وستجد دول قريبة وبعيدة لنفسها مصالح خاصة في تفعيل ديناميكيات الانقسام وتسريعها، وتقطيع سبل استعادة وحدته الترابية.
كرة الانقسام بدأت بالتدحرج من عدن، والأرجح أنها ستمر بحضرموت ومأرب وتعز والمهرة وربما غيرها ... في كل منطقة من هذه المناطق، قوى نافذة أكثر من غيرها، وفي كل منطقة منها، مصالح وحسابات إقليمية ... وفي كل منها يتفاعل إحساس شعبي وعميق، بأنها الأحق بإدارة نفسها بنفسها من أن يديرها الآخرون، سيما وأن هؤلاء «الآخرون» لم يظهروا ما يكفي من الالتزام بالهم الوطني العام، الجامع لكل اليمنيين، بقدر اهتمامهم بحسابات شخصية وفصائلية وعشائرية وجهوية، وارتباطات خارجية متعارضة وأحياناً متناقضة.
لقد أسقط اليمنيون فكرة الأقاليم الستة التي عرضت على موائد الحوار قبيل بدء الحرب، ظناً منهم أنهم يحفظون بذلك وحدة بلادهم وجغرافيتها ... يبدو أن المشروع «الموحى به» من أطراف إقليمية، يجري فرضه على الأرض، وتحت وابل كثيف من الشعارات المضللة، وبعد أن تمت أوسع عملية تهيئة للظروف التي تجعل استعادة الوحدة اليمنية، أمراً صعباً، إن لم نقل مستحيلاً.
إن وقع أسوأ ما في الحسبان، فإن الأطراف التي انخرطت في الحرب ستتحمل المسؤولية التامة عن انقسام اليمن وتقسميه ... فاليمن فاقد لسيادته وقراره، والقرارات الكبرى بشأنه تصدر من خارجه، وهو في وضع أقرب للوصاية، وحكاية «الشرعية» لم تعد تنطلي على أحد، بعد أن فقدت عاصمتها الدائمة في صنعاء والمؤقتة في عدن، وتبحث اليوم عبثاً عن موطئ قدم في الجامعة العربية، التي يعد اليمن أحد أركانها، تقف عاجزة وهي ترى دولة عضوا تعيش أسوأ كارثة في تاريخها، ويتهدد الانقسام والتقسيم سيادتها ووحدة سكانها وترابها الوطني، ولا عذر لأحد عمّا آل إليه حال اليمن.
والمؤسف حقاً، أن انقسام اليمن أو تقسيمه، لن يضع حداً للحرب فيه وعليه، بل سيفتح الباب لسلسلة من الحروب المتنقلة بين الكيانات/الإمارات الناشئة، سواء اتخذت شكل رسمياً أو استقلت بحكم الأمر الواقع، وستتغذى هذه الصراعات والحروب على وقع الصراع على المصادر والموارد والموانئ والثروات والحدود «الولائية»، وسيختلط فيها السياسي بالعشائري، والشخصي بالوطني العام، وهيهات أن يخرج هذا البلد الفقير من بؤسه، وربما لسنوات قادمة.
سؤال يقفز إلى الأذهان: هل أفلتت الأزمة اليمنية من بين يدي اللاعبين الرئيسين فيها، أم أن مصيراً كهذا لليمين، كان مرغوباً ومنشوداً منذ البدء؟ ... هل فات الأوان على استدراك ما يمكن إدراكه، هل ما زالت هناك بقية من أمل، كيف، ومن يعلق الجرس ويطلق زمام المبادرة؟
الدستور - الاحد 18-8-2019