الدولة المدنية ... والمجتمعات المتمدنة !!!
تسعى الحكومات المتعاقبة وما لديها من مؤسسات ودوائر لصناعة مجتمعات متمدنة تواكب التطور والتحضر وتحقق التنمية وتنسجم مع الدول المدنية المنشودة حيث يشترك في موضوعنا هذا ثلاثة عناصر رئيسية هي المجتمع والمثقف والثقافة فهل بامكان المثقف صناعة مجتمع تنموي متمدن وما هو دور الثقافة في هذا المجال وهل يستجيب المجتمع لتحقيق هذا الهدف وفق المعطيات المطروحة والمتغيرات المفروضة فاذا كان المجتمع عبارة عن مجموعة من الافراد تعيش ضمن منطقة وموقع معين تربط بينهما علاقات ثقافية واجتماعية متجانسة فان الثقافة تعني صقل النفس والمنطق ليتعلم الفرد ويطور نفسه على معطيات جديدة ليرقى فكرياً وادبياً واجتماعياً وهذا دور المثقف في المجتمع حامل العقل الراجح والفكر النير والرأي السديد الذي بامكانه ان يطور حياة الفرد ويؤثر باشخاص اخرين في المجتمع ويوجههم الوجهة السليمة في كافة المجالات التي تخدم مجتمعهم وتناسبه وينسجم افكارهم ومتطلباتهم واحتياجاتهم فيكون دور المثقف واجتماع عدد من المثقفين دور في تشكيل تيار ثقافي تنويري تصحيحي يناسب المجتمع ويقوده نحو الرقي والتطور ومنسجماً مع افكار ابناء المجتمع القيمة والاخلاقية والدينية ليحقق الهدف والغاية والمعنى من ذلك كله اي اننا نسعى الى تغيير المجتمع من مجتمع تقليدي منغلق ومن تلك المجتمعات المنغلقة ما هو متعصب ولا زال يخضع الى قيم وعادات بالية ونجده يخضع الى تأثيرات داخلية او خارجية تسهم بطريقة او باخرى في اعاقة اي تمدن او تحضر او تغير ايجابي في المجتمع ليواكب التطور من كافة النواحي .
فالثقافة تؤثر بالافراد وتتأثر بوسائل الحياة المدنية الحديثة وفي اساليب تطوير الخدمات والانتاجية وتتأثر بوسائل التطور التكنولوجي اي تنعكس على طبيعة تفكير الفرد وبالتالي المجتمع من حيث تغيير المفاهيم والتطور والسلوك لتكوين شخصيات تقبل بهذا التحضر وتتجاوز التشوهات المجتمعية فكما نعلم كانت مجتمعات القرى تعتمد على التزاور بين الاقرباء والجيران وغيرهم ويقضون ساعات طويلة في الحديث والمشاركات مع بعضهم البعض وتتفاعل مشاعرهم وبعد ان دخل التلفزيون كل بيت قلَّ اختلاط الناس ببعض وقلَّ التزاور ومع ازدياد المشاكل الحياتية وارتفاع تكاليف المعيشة قل الاختلاط والتزاو اكثر فاكثر فخسر الناس هناك الروح الاجتماعية الايجابية فلقد اصبحت المشكلة مالية اولاً وللمثقف دور كبير في تغيير نظرتهم الى الحياة من اللهث وراء المادة بشتى انواع الطرق الى احداث نمط سلوكي تشاركي تفاعلي بين الافراد اخلاقي متحضر ليصبح مجتمعاً واعياً يصنع قيماً حديثة وعادات تناسب الواقع والقدرات والامكانيات للفرد واسلوب العيش المرضي والموازنة بين القدرات والامكانيات المادية للفرد وبين الالتزامات والواجبات المجتمعية بتطور فكري يواكب واقع الحال فهناك مجتمعات تستجيب لذلك وهناك مجتمعات تتلقى الافكار ولا تتفاعل معها وهذا دليل خلل واضح في ثقافة الفرد والمجتمع وما ظاهره العنف المجتمعي باشكاله وانواعه وابعاده السيئة الا دليل على مستوى ثقافة وتحضر المجتمع في تناول كافة القضايا بفكر منفتح وتبادل الاراء والافكار بكل وعي وادراك لا بطريقة الصدام والعنف بفكر منغلق او تعصبي او متطرف .
وليس المطلوب الانفتاح على الغرب بعاداته وتقاليده لا بل يرفع مستوى ثقافة ابناء المجتمع ليشاركوا في الانتخابات لاختيار الافضل والمشاركة في الاعمال التطوعية والخيرية وخدمة المجتمع والمشاركة بكافة الفعاليات الوطنية ورسم مشاريع انتاجية تشاركية فيما بينهم تعطي احتياجات المجتمع لتحقق التنمية وليواجهوا التعصب الفكري والتطرف واي تدخل خارجي يؤثر في تصنيف مجتمعهم من مجتمع متمدن الى متخلف الى مجتمع ذي بيئة ارهابية او حاضن لارهابيين ومنحرفين او سوق لتجارة المخدرات وبالتالي عزلة المجتمع عن بقية المجتمعات وهروب الاستثمار فيه ونحن جميعاً جهات حكومية وخاصة ومنظمات المجتمع المحلي وابناء المجتمع نسعى دوماً لصناعة مجتمع متمدن ليس على الطريقة الغربية لكن يواكب الفكر المتحضر المنسجم مع المتغيرات ومتطلبات التحضر للتخلص من كثير من العادات المضرة والتي اصبحت ترهق كاهل ابناء المجتمع كذلك تطور من مستوى الخدمات وتفعل المشاركات بين ابناء المجتمع الواحد لصناعة المحبة والانتماء ولحماية الممتلكات العامة والخاصة وعدم الاضرار بها عند اي ختلاف في الرأي او اي مشكلة مجتمعية او انتخابية وهنا يكمن دور المثقف في صناعة مجتمع متحضر متمدن خاصة في حماية ابناء المجتمع من المنظمات المتطرفة فالارهاب فكر ذو ابعاد خطيرة بسبب خاصيته في التطور والتلون والتغير كذلك سمة الغموض فيما يخص سلوكياته العملية والمفاجأة لذلك لا بد من ان يكون للمثقف دور في التوعية لابناء المجتمع لتوضيح ركائز ذلك الفكر وخطورته خاصة انه يحمل مظاهر خادعة تحاول كسب العقول الفنية التي تتأثر بما يطرحه هذا الفكر الارهابي من معلومات وافلام مدبلجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الاعلام المتعدد والمتنوع وتخفيض نسبه الامية والتسرب من المدارس وتطوير مفهوم المواطنة وتحقيق الامن والامان والاستقرار المجتمعي .
فهناك نفايات فكرية للتنظيمات المتطرفة اشد خطراً على شبابنا وعلى مجتمعاتنا حيث ان تسميم الافكار اعنف من كل انواع النفايات فتسميم افكار الشباب نحو صناعة العنف والجرائم واستحداث تقاليد وعادات منحرفة فكرياً تسميم للمجتمع فنفايات الشوارع ملموسة وبالامكان السيطرة عليها وتنظيف الشوارع منها ولكن نفايات الافكار متى سممت الافكار فمن الصعب تطهيرها من تلك العقول بل تستفحل وتعشش وتوسخ المجتمع كاملاً وتهدم ولا تعمر .
الدستور -