في الطريق إلى قانون الإدارة المحلية
لا يضاهي عدد الورشات التي عقدت حول قانون الانتخاب إلا عدد الورشات التي عقدت حول اللامركزية، ولا يضاهي تواضع المردود من قانون الانتخاب الاخير الا تواضع المردود من قانون اللامركزية!
يبدو أنها استراتيجية الهدر الوطني التي تعمل بكفاءة منقطعة النظير للانشغال بجهد وطني كبير حول فكرة إصلاحية نبيلة تنتهي إلى تشريع خال من الدسم، وهو ما حدث حرفيا في قانون اللامركزية الذي لم يحقق أغراضه ونجمع الآن على حاجتة للتغيير، بل ان البعض يقترح العودة نهائيا عنه والغاءه.
بالمناسبة هذا يتكرر عندنا مع مؤسسات كثيرة، وأذكر مثالا نموذجيا شاركت فيه هو المجلس الأعلى للإعلام وقد بقيت عضوا فيه لست سنوات نصفها ذهب في وضع استراتيجيات ودراسات لمداراة غياب اي دور حقيقي حتى اننا نحن اعضاء المجلس كنا نتساءل عن دوره وجدواه حتى انتهى الأمر بحلّه وإلغاء قانونه.
المهم فيما يتعلق بقانون اللامركزية (أو مجالس المحافظات) يوجد توجه الآن لتضمينه مع قانون البلديات في قانون جديد تحت اسم الإدارة المحلية وقد تم تغيير اسم وزارة البلديات سلفا لتصبح وزارة الادارة المحلية ومن الواضح أن مجالس المحافظات ستتبع لها بعد أن كانت تتبع لوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية في صيغة غامضة غير موضحة في القانون إلى جانب غياب الوضوح حول سلطات هذا المجالس. وزاد الطين بلّة تقاعس الحكومات في نقل او تفويض الصلاحيات للادارة المحلية (المجالس التنفيذية ومديريات الوزارات والمؤسسات في المحافظات) فانتهينا إلى الدوران في حلقة مفرغة وهدرت ثلاث سنوات من تطبيق اللامركزية دون ان تحقق التجربة اي انجاز يمكن البناء عليه والاستفادة سوى الدرس الوحيد الماثل وهو ان المجالس بصيغتها الراهنة غير مجدية.
آخر ما حرر في هذا المجال ورشة عمل قدمت فيها ثلاث سيناريوهات لتشكيل هذه المجالس هي 1 – الانتخاب المباشر للأعضاء جميعا ودون أي اضافات بالتعيين على ان تكون نسبة الربع على الأقل من النساء 2 – الانتخاب غير المباشر لجميع الأعضاء من خلال المؤسسات المحلية مثل البلديات وغرف التجارة والصناعة والقطاعات الأخرى 3 – المناصفة بين الشكلين اي نصف بالانتخاب المباشر .
إذا تركنا كل الجوانب الأخرى وتوقفنا حول هذا الجانب أقول سلفا إن أسوأ صيغة هي الثالثة رغم انها تبدو كتسوية معقولة بين الصيغتين الأولى والثانية. فلا معنى لهذه المزاوجة التي تخلق إرباكا وبلبلة في التمثيل والمرجعيات والادوار حين يكون للمنطقة ممثل (او اكثر) منتخب مباشرة من الشعب لمجلس المحافظة وآخر منتخب ايضا مباشرة لمجلس المحافظة ولبلديته اضافة إلى النوع الثالث لتمثيل القطاعات. هذه أسوأ صيغة تفتقر لأي معنى ومنطق ولا تلبي اي حاجة عملية في الممارسة. والصحيح هو الابقاء على الانتخاب المباشر للاعضاء مع تعديل الدوائر ليكون لكل بلدية او منطقة بلدية ممثل واحد فقط منتخب مباشرة من دائرته إلى مجلس المحافظة أو الانتقال إلى التمثيل غير المباشر فيتشكل المجلس من رؤساء البلديات و– أو المناطق البلدية ورؤساء الهيئات القطاعية والمهنية في المحافظة. وانا كنت مع هذه الصيغة منذ البداية لكن الحكومة كان لها رأي آخر في حينه لخلق مناصب كثيرة اضافية دون ان تعطيها اي دور وسلطة حقيقية.
الغد - الجمعة 30-8-2019