البَطالة.. الخَطَرُ القادم
لا يوجد اليوم خَطَرٌ يُهدد الاستقرار العام في البلاد مِثلما هو الخَطَر القادم من كابوس البَطالة التي باتت مستوياتها غير آمنة على الإطلاق، بعد أن بلغت في الربع الثاني من هذا العام ما نسبته الـ19,2 بالمئة، وهي الأعلى مُنذ 20 عاما على الإطلاق.
كثير من المُحاولات الحكوميّة للتشغيل باءت بالفشل من الشركة الوطنيّة للتشغيل والتدريب المهنيّ وحزم الأمان الاجتماعيّ، ومحاولات زيادة التوظيف لم تصل هي الأخرى إلى أدنى أهدافها، والنتائج التي تحققت فعلاً على ارض الواقع أن مُعدّلات البطالة بارتفاع، ويجد الآن ما يُقارب الـ350 ألف عاطل رسميّ عن العمل، وهناك أكثر من 156 ألف خريج يدخلون لسوق العمل سنويّاً، منهم 88 ألف خريج من حملة الشهادات الجامعيّة والمتوسطة والعليّا، ناهيك عن عودة آلاف الأردنيين من عائلات المغتربين من الخليج نتيجة لصعوبة الأوضاع الاقتصاديّة غير الواضحة هُناك، في ظل نُمُوّ اقتصاديّ داخليّ لم يتجاوز الـ2,3 بالمئة في أفضل حالاته خلال السنوات العشرة الماضيّة، مع جمود رسميّ تجاه التعيينات، وفِي ظل تراجع قُدرة القطاع الخاص على إيجاد فُرص عمل جديدة، نتيجة التحدّيات التي يعيشها والتي تحدّ من نُمُوّ أنشطته، لا بل تحد من استمراريته في بعض القطاعات خصوصا الصناعيّة منها.
حتى إجراءات الحُكومات المُختلفة في ضبط العمالة الوافدة وإحلالها بعمالة محليّة، أقولها بِكُلّ أسف كانت غير مجدية، فهناك أكثر من 600 ألف عامل وافد غير معنون لهم حتى عنوان، يعملون في المملكة بدون تصاريح عمل، وهناك ما يقارب الـ300 ألف عامل يملكون تصاريح عمل رسميّة، ورغم كُلّ الإجراءات الحكوميّة بزيادة رسوم تصاريح العمل ومضاعفتها في السنوات الخمس الأخيرة إلى أربعة أضعاف، إلا أن ذلك لم يخفف من تدفقها في كافة المهن.
واضح أن الأمر وصل إلى مستوى خطير بالنسبة للبَطالة، والأمر يحتاج إلى تعامل استثنائيّ من قبل الحُكومة، وأن تعمل على إعداد خطة طوارئ رسميّة تشمل سيناريوهات واضحة تتضمن بدائل مختلفة لمواجهة تداعيات هذا الكابوس.
اليوم مطلوب من الحُكومة الخروج من الفكر التقليديّ الذي عالجت من خلاله مشكلة البَطالة مُنذ سنوات والتي لم تسفر لغاية الآن عن أيّ تقدّم يُذكر، وهذا الوضع لا يحتمل التأخير، فالأردن لا يملك ترف الوقت لهذا، والتحدّيات تحيط به من كُلّ صوب وجانب.
الكرة في ملعب الحُكومة للخروج بتصور كامل لمواجهة هذا التحديّ من خلال التعاون غير الاستثنائيّ مع القطاع الخاص الذي هو المحرك الرئيسيّ للنُمُوّ والتشغيل، ويكون هذا من خلال عدة محاور أهمها: ربط الحوافز الاستثماريّة والضريبيّة والجمركيّة بالتشغيل ضمن إطار قانونيّ واضح يحدد تلك الحوافز ويمنحها تلقائيّاً لِكُلّ من يشغل ويدرب أردنيين في مشروعه، وعدم تركه بمزاجية المسؤول بمنح الإعفاء والحوافز أم لا.
النقطة الأخرى هي انسحاب الحُكومة الكامل من مسألة التدريب المهنيّ وتوفير أمواله المهدورة هباء دون فائدة، وتركها للقطاع الخاص الذي هو ادرى باحتياجاته العماليّة والمهنيّة من أيّة جهة أخرى، ويكون ذلك من خلال حزمة إجراءات غير مسبوقة في دعم تدريب الأردنيين وتوفير برامج التدريب بالتعاون مع القطاع الخاص ودعم ماليّ جزئي للمتدربين كما هو حاصل اليوم في العديد من دول العالم.
البطالة كابوس حقيقيّ، ولا بد للحكومة من التحرك سريعا لمواجهته هذا الخطر القادم الذي لا يمكن لحكومة ما أن تواجه دون التعاون الاستراتيجيّ مع القطاع الخاص.
الدستور -