الفاعلون الجدد
يأخذنا سياق الحتمية التكنولوجية اي الزعم بقوة تحكم التكنولوجيا في مصائر الناس وفي حركة التاريخ إلى استنتاجات متناقضة واحيانا اخرى وهمية أو مؤقتة ، هذه التحولات السريعة وغير المفهومة تأخذ صيغة مختلفة في كل مجتمع حسب التطور الثقافي والاجتماعي لكل مجتمع في الوقت الذي تحافظ على قواسم عامة مشتركة ، أسئلة عديدة تطرحها الدراسات الاتصالية والاجتماعية الجديدة؛ هل بالفعل تغيرت تركيبة قادة الرأي وتغيرت القوى المؤثرة في تشكيل اتجاهات الناس ومواقفهم وفي طريقة حكمهم على الظواهر والاحداث والآخرين؟ وهل النموذج الاجتماعي والتسويقي لما باتوا يسمون اليوم بالمؤثرين سوف يصمد طويلا ؟ بل هل هذا النموذج جدي ويعكس قوة حقيقية
في التأثير ؟
فهم خريطة التأثير في الرأي العام المعاصر باتت أصعب من اي وقت سابق ، فكل المداخل التي تعتمد على التكنولوجيا الرقمية وعلى رأسها الشبكات الاجتماعية وأدوات الإعلام الرقمي لم توفر إلى اليوم نظرية متماسكة بالحد الادنى لتفسير هذه التحولات في حين يذهب التقدير التراكمي لآثار هذه الادوات إلى ردود الافعال المؤقتة التي لا ترتقي إلى تشكل الرأي العام بمفهومه السياسي الاجتماعي الذي عرف به منذ نهاية القرن التاسع عشر .
أكثر ما تتفق حوله البحوث الجديدة ان القوى التقليدية أو ظاهرة قادة الرأي التقليديين في طريقها إلى الزوال أو زالت في بعض المجتمعات ، وان القوى الجديدة ما تزال تتشكل فيما تذهب بعض الآراء إلى ان ما تحدثه هذه القوى من تأثير لا يعدو اكثر من تشويش على السطح دون ان يدخل في العمق ؛ وهذا ما يمكن ان نلمسه في الطريقة التي تتعامل فيها القوى التقليدية والجديدة المؤثرة في الرأي العام في الأردن وتحديدا في اوقات الازمات .
علينا الاعتراف بأنه رغم كل الضجيج وفوضى الآراء لا يوجد لدينا تقاليد الاهتمام بالشأن العام ، وهذا ينعكس في اشكال المشاركة والمساءلة ، وحتى نؤسس لمجال عام جديد علينا ان نفهم القوى الفاعلة الجديدة والقديمة وكيف يعمل كل منهما في هذه البيئة، وكيف يمكن ان يستثمر المجال العام الجديد بالنعمة المجتمعية المتمثلة بالشباب من خلال تمكينهم ان يفرضوا اشكالا جديدة من المشاركة. ثم ، وما المطلوب حتى يغيروا القواعد التقليدية للمشاركة والمساءلة والتأثير ويفهموا معنى القوة السياسية والمجتمعية على مختلف المستويات .
في المقابل نلاحظ طبقة أخرى من الهشاشة المجتمعية في سرعة الانفعال المجتمعي؛ وردود الافعال السريعة للقواعد الاجتماعية التي قد تخلق حالة استقطاب هائلة ومزعجة في الرد على نكتة أو صورة أو معلومة مزيفة أو إشاعة ، وهي لا تعدو اكثر من جزء من ظاهرة التشويش والانفعالات الحادة في مرحلة تموت فيها القوى التقليدية الفعلية التي كانت تسهم في تشكيل الرأي العام ولم تولد قوى جديدة بالفعل .
هناك حالة ضعف وانسحاب واضح في اداء الكتل الاجتماعية المرشحة ان يولد من بينها الفاعلون الجدد وفي المقدمة الشباب والمؤسسات المجتمعية المدنية التي يكتفي بعضها بمراقبة المشهد واحيانا تعفي نفسها حتى من ان تكون مراقبا أو شاهدا ، وينسحب هذا بصورة اقسى على الكتل الاجتماعية الحيوية مثل مجتمع الاكاديميين الاردنيين الذين لا حول ولا قوة لهم في الحياة العامة خارج قاعات الدروس، وحتى رجال الاعمال الوطنيين علاوة على كتل المثقفين العضويين الذين هم طليعة المجتمع العارفة التي من المفترض ان تكون بمثابة الكتلة التاريخية التي تتكون من مختلف الفئات ومن مرجعيات فكرية وسياسية متعددة يجمعها الايمان بالتعدد واحترام الاختلاف وحد ادنى من الاتفاق على مفهوم الصالح العام.
الغد - السبت 14-9-2019