سياسات القبول.. وسوق العمل
مع إعلان نتائج قبول الطلبة في الجامعات بالتخصصات المختلفة، وبغض النظر عن كيف توزعت المقاعد ومن كان حظه افضل من أقرانه، إلا أن مجرد قبول الآلاف في الجامعات يعني ان توصيات استراتيجية تنمية الموارد البشرية، ومحاولات إعادة الهرم إلى وضعه الطبيعي بحيث يدرس عدد محدود من الطلبة التخصصات الاكاديمية فيما يتدرب عدد اكبر على بعض التخصصات المهنية ذهبت أدراج الرياح.
ويعني الاستمرار بالوضع القائم ضمنيا تأجيل التعامل مع تحدي البطالة بإجراءات هيكلية وليست شكلية، بمعنى أن مخرجات العملية التعليمية لن تختلف عما هي عليه، ومع علمنا المسبق بأن الطلب في سوق العمل لن يتغير بين ليلة وضحاها فهذا يعني اننا سنستمر بالدوران في الحلقة المفرغة وترديد ذات الشعار حول احتياجات سوق العمل ونوعية المخرجات، وعلى الاغلب ستستمر محاولات العمل بسياسة الاحلال التي قد تساهم بتقديم بعض الحلول ولكن لها حدودها ومحاذيرها من حيث الكلف والإنتاجية للعمال.
وللأسف فإن بيانات البطالة التي تقترب من خمس القوى العاملة بالمجمل في الأردن تعتبر صادمة لا سيما بين حملة الدرجة الجامعية التي وصلت إلى حوالي 24 في المائة بنهاية 2018، فنسبة البطالة بين المتعلمات من الاناث من حملة البكالوريوس في نهاية العام الماضي وصلت إلى 32 في المائة، وفي فئة الشباب تصل ذات النسبة إلى 19 في المائة، هذا باستثناء من يعملون في تخصصات غير التي درسوها.
وفي نفس الوقت هناك حاجة إلى بعض التخصصات المهنية التي لا يقبل عليها الطلبة، وهذا يعيدنا إلى المربع الاول في الحوار فيما يخص سياسات التعليم وسوق العمل، ورغم ان استراتيجية تنمية الموارد البشرية حسمت هذا الموضوع، واقترحت العديد من المسارات المتوازية للخروج من الحلقة المفرغة، بحيث ان المسارات المهنية باتت تقود إلى الدرجة الجامعية الأولى، إلا أن الاقبال عليها ما يزال ضعيفا.
من الصعب التدخل مباشرة في قرارات الطلبة والأهالي، ولكن هناك حاجة لنظام حوافز وتوعية على كافة المستويات حول واقع سوق العمل والخريجين، فالكثير من الاهالي ينفقون الكثير من الموارد لتأمين تعليم الأبناء والبنات، لكن العائد على الاستثمار في مجال التعليم من الناحية المادية، يعتبر متواضعا جدا، ورغم الإقرار أحيانا بأن التعليم هو قيمة بحد ذاتها، إلا ان التفكير بسوق العمل والعائد على التعليم بات مجالا خصبا للعديد من الدراسات الحديثة، بحيث يتم الدمج ما بين قيمة العلم والحاجة للعمل.
التدرج في إحداث التغير المطلوب يمكن تفهمه، والالتزام بمخرجات الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي صاغتها ايد خبيرة غاية في الضرورة، للخروج من وضع يتفاقم بدليل التزايد المطرد في نسب البطالة، والتدخل أحيانا في تحديد بعض نسب القبول واتخاذ إجراءات جراحية، والذي قد يلقى معارضة يعتبر المدخل المناسب، فتركيبة الاقتصاد، او الطلب في سوق العمل لن تتغير بسهولة، لذلك فإن التغيير المطلوب يجب ان يأتي من جانب العرض وهو الأمر الممكن خلال فترة قصيرة.
الغد - الاثنين 16-9-2019