إيقاف النفقات الرأسماليّة في الموازنة
قرّر مجلس الوزراء قبل أيام الموافقة على تنسيب وزير الماليّة بإيقاف المشاريع الرأسماليّة التي لم يبدأ بعد بتنفيذها نظراً للظروف الماليّة الصعبة التي تشهدها الموازنة العامة للدولة والتي تتطلب مُعالجات سريعة لإيقاف النُمُوّ السلبيّ للعجز الماليّ، في ظل تراجع الإيرادات.
للعلم فقط، تطورات الموازنة العامة ومؤشراتها الماليّة أظهرت تراجعاً مَلحوظا في الإيرادات في النصف الأول بقيمة تتجاوز الـ 200 مليون دينار، اكثر من نصفها من هبوط عائدات الدخان، والأخرى مُتعلقة ببنود متنوعة أهمها جمارك السيارات وإيرادات ضريبة المبيعات المرتبطة أساسا بالحالة القاتمة للاقتصاد الوطنيّ والتراجع الحاصل في أنشطته الاقتصاديّة المُختلفة.
وبناء على ما سبق فمن المرجح أن يرتفع عجز الموازنة عن ما هو مُقدّر والبالغ 650 مليون دينار إلى ما يقارب المليار دينار مع نهاية هذا العام، أيّ انه سيرتفع على أقل تقدير ما قيمته 350 مليون دينار، وهو ما سيشكل أحد ابرز التحدّيات أمام الحُكومة في مفاوضاتها المقبلة مع صندوق النقد الدوليّ.
طبعاً قرار حكومة الرزاز بتخفيض النفقات الرأسماليّة أو تجميدها ليس الأول، فهي مارست مثل هذا الإجراء في شهر أيار الفائت من هذا العام، ولجأت حينها إلى تخفيض بند النفقات الرأسماليّة في قانون موازنة الدولة لعام 2019 بما قيمته 79 مليون دينار من أصل 162 مليون دينار مجموع ما تم تخفيضه في بند النفقات في ذلك الوقت في إطار لجوئها لتخفيض النفقات وترشيدها.
منذ سنوات عديدة ومخصصات النفقات الرأسماليّة في تزايد نسبيّ في الموازنات العامة، وهو أمر إيجابيّ من الناحية النظريّة، لأنه داعم للنُمُوّ الاقتصاديّ الذي يعتبر الهدف الساميّ لأي سياسات اقتصاديّة تتخذها الحكومة، نظرا لارتباطه بتوليد فرص عمل جديدة ما يساهم بالحدّ من مشكلتي الفقر والبطالة.
لكن الملاحظ أنه ومع تزايد حجم المخصصات للنفقات الرأسماليّة؛ فإن النُمُوّ الاقتصادي في تراجع، ولا يتناسب مع زيادة المشاريع في الموازنة، وهو أمر يتناقض مع الواقع.
في الحقيقة إن الترابط بين زيادة النفقات الرأسماليّة والنُمُوّ ترابط حقيقيّ وهما متلاصقان، لكن في الموازنة الأردنيّة قد يكون الأمر مختلف ويخالف النظريّة إذا ما دققنا في طبيعة تلك المشاريع ومدى توليدها لقيمة مضافة عالية على الاقتصاد الوطنيّ.
بند النفقات الرأسماليّة في قانون موازنة عام 2019 تبلغ قيِمتها 1.3 مليار دينار، وهو رقم من الناحية النظريّة كبير مُقارنة عما كان عليه في السنوات التي خَلَت عندما كان النمو يتراوح بنسبة 6-7 بالمئة والنفقات الرأسماليّة لا تتجاوز 700 مليون دينار لا اكثر، وَهُنا السؤال المطروح، كيف نُنفق الآن ضِعفّ هذا المبلغ، والنُمُوّ الاقتصاديّ لا يتجاوز 2.3 بالمئة؟
الجواب لا يحتاج إلى ذلك التحليل الاقتصاديّ، فالمؤشرات تُدلّل على المشاريع المُدرجة تحت بند النفقات الرأسماليّة، وهي ليست مشاريع رأسماليّة حقيقيّة لها قُدرة على زيادة النُمُوّ الاقتصاديّ بالشكل المطلوب والمُستهدف، فَغالبيتها نفقات تشغيليّة لا تُساهم بتحفيز الصادرات ولا استخدام مُدخلات انتاج محليّة ولا تُشغّل أيدي عاملة وطنيّة ولا تُساهم في المعرفة أو تجلب حتى عملة وطنيّة، بمعنى أنها لا تمتلك مُقومات القِيمة المُضافة للاقتصاد.
الخلاصة انه علينا أن نُدرك أن النتيجة التي وصلنا لها في الموازنات العامة انه مع كُلّ زيادة على بندِ النفقات الرأسماليّة فإن النُمُوّ الاقتصادي لا يستجيبُ لتلك الزيادة، بل ظل جامداً عند حدوده الدنيا، حتى مع تخفيضه فإن الأمر أيضاً سيان لا يؤثر لا سلباً ولا إيجاباً، مما يُحتم علينا ليس فقط إعادةِ خفض النفقات الرأسماليّة، وإنما إعادة هيكلة الموازنة وتبويب جديد لهذه النفقات.
الدستور -