لا يحسد المال إلا أصحابه
حتى منتصف هذا الاسبوع لم يخطر ببالي ان سبب ما تمر به البلاد من ازمات عائد الى كون الأردن بلدا محسودا. لقد كنت اظن ان سوء الادارة والهدر والتضييق والفساد وراء تردي الاوضاع الاقتصادية والمالية والمشكلات الاجتماعية التي تتوالد بمتوالية يصعب وقفها. في المحاضرة التي قدمها رئيس الوزراء السابق عرض لإنجازات حكومته التي ادارت شؤون البلاد خلال الفترة الواقعة بين منتصف 2016 وحتى حزيران من العام 2018. في العرض الذي حضره العشرات من اعضاء مجموعة حوارات عمان حاول المحاضر الاجابة على الكثير من الاسئلة التي أثيرت حول فترة ولايته وما قام به لمعالجة قضايا المديونية والطاقة والتشغيل والعلاقات مع الجيران ودول الاقليم وعرض لموضوع “عنق الزجاجة” باعتباره المفهوم الاكثر تداولا عند الحديث عن الحقبة التي تولتها حكومته.
الاخبار التي تداولتها الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي حول المحاضرة ومضمونها توقفت طويلا عند اشارة المحاضر الى ان الأردن بخير لكنه بلد محسود “محسود على قلة موارده الطبيعية المحدودة…ومحسود على امكاناته البشرية العظيمة”. التعليقات التي حملتها المواقع الاخبارية وصفحات التواصل الاجتماعي تراوحت بين الاستغراب والتندر ليس على الجملة المستخدمة بل على الطريقة والسياق. صحيح ان في الاردن مستويات من الحرية تفوق المستويات التي تشهدها الدول والمجتمعات المجاورة. فلا أحد ينكر تمتع الجمعيات والنقابات واهل الفكر من حرية التعبير لكن ذلك لا يخفي وجود مستويات اعلى من العوز والبطالة والفقر وتفشي ظواهر المحسوبية والفساد والترهل والضعف الاداري والخروج على القانون فعلى ماذا يحسد الأردن؟
في الثقافة العربية حديث دائم عن الحسد باعتباره شعورا سلبيا يقترن بالطاقة والتمني بالفشل وزوال النعمة عن اصحابها. البعض يخلط بين الحسد والعين او ما يسمى بضربة العين حيث يرى الانسان ما يعجبه او يدهشه فيدخل في قلبه فتخرج من عينه اشارات او طاقة تعمل على تدمير او اصابة وإتلاف المعيون.
غالبية الناس في مجتمعنا يخشون العين والحسد ويتحوطون لتلافي أن يصابوا بهما. حذوة الفرس والعين الزرقاء والكف الذي تتوسطه الخرزة الزرقاء بعض من الوسائل التي نستخدمها لدفع العيون والحاسدين. على بوابات البيوت وفي واجهات المحال التجارية وعلى مرآة السيارات تعلق الاكف والخرزات والعيون الزرقاء وتكتب العبارات لدفع عيون الحاسدين.
الامهات والجدات يحرصن على حماية الابناء والازواج والممتلكات من الحسد بوسائل متنوعة على هيئات واشكال مختلفة. في بعض احياء المدن التونسية والمغاربية يحرص الاثرياء على ترك بعض واجهات بيوتهم غير مكتملة لدفع الحسد عنهم وعن ممتلكاتهم.البعض يقرؤون سورة الفلق كلما احسوا بأن هناك طاقة سلبية او عيونا ترقبهم.
لمواجهة الحسد وآثاره، هناك شيوخ وعرافون ومتخصصون يقرؤون القرآن ويستخدمون المعوذات ويعدون التمائم. صناعة الحجب وتقديم النذور استجابات يؤمن بها البعض كأنجع وسيلة للخلاص من الآلام والاوضاع التي قد تلم بهم. في قرانا وأريافنا واحياء المدن والمخيمات اشخاص معروفون يتردد عليهم من ألمت بهم الامراض او رافقهم سوء الطالع او من تعثروا في التعليم او الصحة والعمل والزواج باعتبارهم اطباء او اشخاصا يملكون قدرات خارقة تمكنهم من مساعدة الناس على التخلص من محنهم.
الشاعر العربي ابو ذؤيب الهذلي لم يكن معجبا بثقافة التمائم والتعاويذ فلم ير قيمة للتمائم والنذور بعد ان فقد ابناءه الخمسة بمرض الطاعون واستولى على قلبه الحزن فرثاهم بقصيدة اعتبرت من روائع الرثاء والحكمة في الشعر العربي وحملت البيت الذي لا يزال العرب يذكرونه كلما حلت بهم كارثة او فجيعة ” واذا المنية انشبت اظفارها…الفيت كل تميمة لا تنفع”.
حتى قبيل محاضرة الرئيس السابق كنا نردد ابيات الراحل حبيب الزيودي التي غناها عمر العبداللات ” مهيوب يا هالوطن مهيوب…مهيوب وما تخيب الظن”..اليوم وبعد المحاضرة التي القاها الرئيس السابق لا بد ان نجري تعديلا جديدا على تصوراتنا لنفكر بكيفية دفع الحسد والعيون عن بلدنا.
الغد - الجمعة 20-9-2019