أزمة الطبقة الحاكمة في مصر
لم يكن خافيا على المراقبين التوتر وحالة التصارع بين مراكز القوى في الطبقة السياسية الحاكمة في مصر؛ صراع افضى الى اختيار اللواء احمد شفيق الامارات العربية منفى اختياريا له؛ لينتهي به الامر تحت الاقامة الجبرية في مصر.
لم يختلف مصير اللواء سامي عنان رئيس هيئة الاركان السابق في الجيش المصري وعضو المجلس العسكري عن اللواء شفيق من حيث الجوهر؛ اذ انتهى به الامر الى السجن بعد تحديه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
لم يكن خافيا على احد وجود صراع خفي بين المخابرات العامة المصرية وبين المخابرات الحربية كان من القوة بحيث اطاح باثنين من كبار رؤساء المخابرات العامة المصرية؛ لينتهي الامر بالمخابرات العامة ان تخضع للاشراف المباشر لمكتب الرئيس السيسي بعد سلسلة من التسريبات الاعلامية والمواجهات الخفية.
كان من الواضح ان الصراع بين مراكز القوى في ذروته بحيث اخرج العديد من كبار الاولوية من الخدمة العسكرية؛ في حين كان ابرز الادوات الظاهرة لهذا الصراع التسريبات الهاتفية والاعلامية التي وترت المناخ الداخلي في مصر وتعاظم شأنها قبيل الانتخابات الرئاسية.
رغم قوة الصراع والمنافسة بين اقطاب النخبة الحاكمة في مصر الا ان أيًّا من الطرفين لم يلجأ الى المعارضة التقليدية، ولم يسع للتحالف معها لإزاحة خصمه ولم يلجأ الطرفان للشارع خوفا من عودة الزخم للمعارضة وعودة الرئيس المنتخب محمد مرسي في حينها الى سدة الحكم؛ امر جعل من التحالف مع المعارضة او الاستعانة بها مستحيلا.
المشهد اليوم في مصر مختلف فوفاة الرئيس المنتخب محمد مرسي في معتقله ازال أهم العوائق والهواجس التي تقف في طريق الطامحين إلى السلطة من الطبقة الحاكمة المتنافسة؛ والاهم تراجع الخطر المتأتي من المعارضة السياسية التقليدية وعلى رأسها الاخوان المسلمين الى الذين يعانون من ضعف شديد وتشرذم وانقسام غير مسبوق؛ والاهم من ذلك تراجع كبير في حجم الاهتمام الاقليمي وانشغال الخصوم الاقليميين وعلى رأسهم قطر وتركيا بملفاتهم الحيوية.
التغيرات البيئية لا تقتصر على خصوم الطبقة الحاكمة بل على حلفائها؛ اذ انشغل الحلفاء والاصدقاء بأزماتهم وبصراعات استنزفت قدراتهم، سواء في منطقة الخليج العربي ام في الولايات المتحدة الامريكية؛ انشغال فتح الباب واسعا لإشعال الصراع وتصفية الحسابات داخل الطبقة الحاكمة؛ فالبيئة الداخلية في مصر ناضجة حالها كحال البيئة الاقليمية والدولية المثقلة بالتحولات المفاجئة والمقلقة في الجزائر والسودان والتي تحاصر الطبقة الحاكمة في مصر وتثير قلقها بتحولات غير منضبطة ومدروسة.
المناخ في مصر بات مهيأً على الارجح لتحول من الممكن ان تطول فصوله اسابيع ومن الممكن ان تقصر الى ايام معدودة؛ الا انه سيأتي بتغير من نوع جديد؛ وبتحالفات جديدة في مراكز القوى وفي الساحة المصرية عموما؛ فمصر باتت ناضجة لتغير في حده الادنى على مستوى النخبة، وفي اقصاه يتخذ طابع تحالفات تمتد الى قوى المعارضة التقليدية بحسب قوة وزخم الصراع الداخلي؛ صراع اصبح صفريا؛ اذ اقترب من نقطة حرجة وحاسمة لم يعد بالامكان للمتورطين فيها التراجع عنه لارتفاع الاثمان والكلف المترتبة على ذلك والله اعلم.
السبيل - السبت 21/سبتمبر/2019