ما بعد الانتخابات الإسرائيلية
كنت قد توقعت في مقالة سابقة أن الانتخابات الصهيونية/ الإسرائيلية الثانية، خلال خمسة أشهر ستكون الأخطر، فقد استغلت فيها شعارات (أمن إسرائيل) و(حماية إسرائيل وضم الأراضي الفلسطينية) وإنهاء حل الدوليتين ، ويبدو أن المجتمع الصهيوني مسكون في هذه القضايا، فوضع اليمين المتطرّف واليسار الوسطي في مواجهة... فزعيم اليمين يقترح حكومة وحدة وطنية مع تناوب الرئاسة، في حين يرى زعيم اليسار الوسطي التفرّد بالرئاسة... وصرّح بأنه إذا ما تنحى (نتنياهو) جانباً يتمكن تشكيل حكومة وحدة في يوم واحد.
يرى محللون صهيونيون أن تشكيل حكومة برئاسة تناوبيه بين الطرفين سينتج عنه حكومة ضعيفة في اتخاذ القرارات وبخاصة في القضايا المصيرية، وقد يكون الذهاب إلى انتخابات ثالثة مخرجاً من هذا المأزق.
*ذكرت صحفية (جيروزاليم بوست) أن الحليف الأكبر لزعيم اليمين، الرئيس الأمريكي، لم يتصل بحليفه بعد نتائج الانتخابات، حيث تحادثا معاً قبيل الانتخابات وأكدا أهمية المضي قدماً في معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والتي ستزيد من ترسيخ التحالف الكبير ويعتبر هذا الأمر ذو دلالة خطيرة بالنسبة لنتنياهو ... ومستقبله في الاستمرار بقيادة الدولة، ولكن السياسة الأمريكية، كما ذكر الناطق الرسمي، أن (لا تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل)... وحتى لو قامت إسرائيل بقيادة إي حكومة، يضم مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن، فأن اتفاق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ما يزال ممكنا... ويظل السؤال الذي يفرض نفسه (على ماذا يتفق الطرفان إذا ما اتخذت إسرائيل خطوات الضمّ المذكورة)!.
* ولعل من أهم المتغيرات بعد نتائج الانتخابات الصهيوينة هو مصير (صفقة القرن) المشؤومة، فقد وعدت الإدارة الأمريكية أنها ستقوم بنشر (خطة الصفقة)، بعد وقت قصير من انتخابات (17 سبتمبر)، ولكنها عادت وأعلنت الانتظار لتشكيل الائتلاف فيما إذا تم ذلك، ومازالت متفاءلة بالمضي قدماً في الكشف عن الخطة، حيث أن المحادثات التي أجرتها الادارة الأمريكية مع الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة وكل خبير تقريباً، كما صرح بذلك (غرينبلات) في مقابلة تلفزيونية أمريكية، كانت تلك المحادثات تطرح الخيار بين أمرين: الاكتفاء بالوضع الراهن، وهو الأمر غير الجيد؛ أو الانتقال إلى مرحلة (العيش والازدهار والنمو). ولكن ما أفرزته الانتخابات الصهيونية، سواء تم تشكيل ائتلاف أم لم يتم، سيكون له الأثر الكبير في مستقبل (صفقة القرن) وقد تتجه الإدارة الأمريكية إلى أن تدفن الخطة بالكامل.
*إزاء هذه التحليلات، فأن اللجوء إلى (البديل الثالث) يمثل الحد الأدنى لمطالب الشعب الفلسطيني، ويمثل هذا البديل بالدعوة إلى العودة إلى المسار الذي اعتمدته الشرعية الدولية، وإحياء دور اللجنة الرباعية بمبادرة من منظمة الأمم المتحدة، حيث تضم اللجنة بجانب المنظمة كلا من الاتحاد الأوروبي، الذي اختار النأي بالنفس في دوره، وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية... وبذلك تخرج القضية من (الوصاية الأمريكية).
أما صعوبة اعتماد هذا (البديل الثالث) فيرجع إلى تراجع دور الدبلوماسية المتمثلة بالنظام العربي وجامعته التاريخية (جامعة الدول العربية)، ودور المنظمة الإسلامية (المتمثلة بمنظمة التعاون الإسلامي).
والمأمول، في هذه المرحلة، حيث ضعف النظامين العربي والإسلامي في التأثير على مجريات السياسة الدولية، أن يكون هناك تحرّك دبلوماسي: عربي- إسلامي بشكل فاعل ومؤثر في السياسة الدولية، وذلك أضعف الإيمان.
الدستور -