خطورة الانقسام المجتمعي
باتت أزمة إضراب نقابة المعلمين تزداد تعقيدا مع دخول الاضراب اسبوعه الثالث، وبدون نتائج حقيقية رغم جولات عديدة من الحوار والتفاوض والنتيجة عدم رغبة اي طرف من طرفي المعادلة التنازل عن موقفه، الخطر الذي بات يزحف بقوة يتمثل في هذه اللحظات ببوادر انقسام مجتمعي بين من يقفون خلف النقابة وبين المطالبين بعودة ابنائهم للمدارس وحماية حقهم في التعليم.
وعلى الرغم من عناد النقابة ورفضها حتى قواعد اللعبة السياسية التقليدية في الاخذ والمطالبة، وإصرارها على أن تحصل على كل شيء مرة واحدة فما يزال موقفها يلاقي تعاطفا مجتمعيا واسعا؛ نظرا لطبيعة هذه المطالب والفئة التي تمثلها ولارتباطها بمصالح فئات عريضة من المجتمع في المقابل هناك طرف مجتمعي آخر آخذ في التنامي والوقت يعمل على نمو حجمه، يشعر بتهديد مصالح ابنائه الذين فقدوا حقهم في التعليم طوال هذه المدة.
وعلى قاعدة إقرار الجميع بعدالة قضية المعلمين وحقوقهم، الا ان فكرة مسك الدولة والمجتمع من اليد الموجوعة اي الفئة الأكثر هشاشة وهم طلبة المدارس أخذت بالتدريج تهدد مصالح قطاع واسع من الأسر والجماعات الذين لا ندري كيف سيعبرون عن مصالحهم، أو كيف ستدافع هذه الفئات العريضة عن حقوق ابنائها اذا ما استمر الاضراب لأيام أخرى.
للأسف، كشف الإضراب وتداعياته ضعف قوى التأثير والتغيير في المجتمع والحياة العامة فالقوى المدنية والسياسية المستقلة، والمؤسسات المدنية والسياسية والنقابية الاخرى تركت الساحة فارغة بدون مبادرات أو اطروحات مستقلة تساعد في الحلول، وتطلب من طرفي المعادلة بعض التنازلات وتراعي المصالح الوطنية العليا في هذا التوقيت.
كنا ننتظر من النقابات المهنية ان تضع مبادرة للحل على الطاولة أو الاحزاب السياسية الفاعلة أو مؤسسات المجتمع المدني أو حتى البرلمان بمجلسيه فهذه مؤسسات للدولة وللمجتمع، واكثر ما تبرز الحاجة لها في هذه اللحظات الحرجة. ان وجود مبادرة مستقلة وواقعية تضع عدالة قضية المعلمين بكفة واوضاع المالية العامة للدولة وظروفها الصعبة بكفة اخرى وتخرج بوجهة نظر ثالثة، كان من الممكن ان تحدث الفرق المطلوب، والاهم من ذلك ان مبادرات من هذا النوع سوف تشكل ضوءا حقيقيا سيسترشد به الرأي العام الأردني بدل حالة التشويش التي يعيشها حاليا.
إن استمرار الإضراب لأسبوع آخر يعني عمليا ازدياد حالة الاستقطاب المجتمعي التي ستتحول بعد ايام قليلة الى انقسام حاد، لا نعرف على اي مفاصل سوف يقوم هذا الانقسام عليها، وكيف سيضرب في العمق الاجتماعي، بينما يعمل الصراع على شبكات التواصل الاجتماعي دورا اساسيا في اثارة حالات الاستقطاب وتعميقها.
مرة اخرى، لا بد من النظر الى حالة المعلمين بعمق بعيدا عن تأثيرات الحركة النقابية وانشطتها الاحتجاجية، وكنا نأمل ان تكون اوضاع المعلمين ونوعية التعليم العام احد محركات مشروع النهضة الذي اعلنته الحكومة، وما تزال هناك فرصة بالعودة للحوار وعلى المعلمين فهم اللحظة السياسية والمجتمعية وذلك بتحييد الطلبة والعملية التعليمية عن المطالب النقابية والاحتجاجات؛ فالعمل ﺍﻟﻨﻘﺎﺑﻲ يحتاج ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺎﺭ طويل من بناء ﺍﻟﺜﻘﺔ، ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻻ ﺃﻥ تكون ﺃﻭﻟﻰ جولات ﺃﻭ ﻣﻌﺎﺭﻙ العمل ﺍﻟﻨﻘﺎﺑﻲ يدفع ﺛﻤﻨﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.
إن ﻤﻠف ﺍﻟﻤﻌﻠﻤﻴن ﺍﻟﻤﻌﻠق ﺍﻟﻴوﻡ، ﻳﺸﻜل ﻓرﺻﺔ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻨﻘﺎﺑﺎﺕ وامام الاحزاب والبرلمان ﻟﻠﻌوﺩﺓ ﻛﻘوﺓ ﻣؤﺛرﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ من منظور الحل وكسب المجتمع لا من منظور الصمت والحياد.
الغد - الاثنين 23-9-2019