لا تكرموا جثثهم.. أكرموهم أحياء!
نشر حاكم ولاية كاليفورنيا الشهير أرنولد شوارزينجر صورة له و هو نائم في الشارع تحت تمثاله الشهير المصنوع من البرونز، و كتب بحزن: تأمل كيف تتغير الظروف، ليعلم الجميع أنه لا أمان للزمن.
سبب كتابته للجملة ليس فقط لإنه كبر في السن، لكن لأنه عندما كان حاكم ولاية كاليفورنيا، قام بافتتاح الفندق الذي يوجد التمثال أمامه. المسؤولون عن الفندق وقتها قالوا لأرنولد: في أي وقت يمكنك المجيء ولك غرفة محجوزة باسمك مدى الحياة.
وعندما ترك الحكم و ذهب للفندق، رفضت الإدارة إعطاءه الغرفة بحجة أن الفندق محجوز بالكامل! فأحضر غطاء و نام تحت التمثال، وطلب من الناس أن يصوروه. إذ يريد من خلال تلك الصورة ان يبعث رسالة هامة هي أنه عندما كان في السلطة وله منصب، كان الجميع يجاملونه وينافقونه ويتقربون منه.. ولما فقد هذا المنصب نسوه ولم يوفوا بوعودهم له.
فإن غوغ الرسام الهولندي من القرن التاسع عشر والذي بيعت أحدى لوحاته سنة 1990 بــ 82.5 مليون دولار لم يبع خلال حياته سوى لوحة واحدة وكان يعتمد على أخيه لمعيشته. مـات فقـيراً لا يملك سوى رسـومه وكـــان يشتــكي من عدم قدرته على بيعها قائلاً: «إنني لا أستطيع أن أغيّر الحقيقة بأن رسومي لا تباع. ولكن سيأتي يوم سيدرك الناس فيه أنها تســاوي أكـثر من ثمن الدهان المستعمل فيها».
المشاهير و المبدعون العرب انتهوا الى حالة أسوأ. فريد الاطرش الذي كان يسكن في آخر حياته في بيت مستأجر ورصيده في البنك لا يتعدى بضعة دولارات. كذلك عملاقا السينما المصرية يوسف وهبي وأمينة رزق اللذان امضيا سنواتهما الاخيرة على معاش تقاعدي يبلغ 32 جنيهاً في الشهر. اسماعيل ياسين الذي أضحك الملايين بأفلامه والذي توفي مفلساً فقيراً تاركاً لابنه ديوناً مالية كبيرة. عبد السلام النابلسي ومريم فخرالدين ماتوا فقراء معزولين بعيداً عن الأضواء بعد أن تخلى عنهم المسؤولون والناس.
«سعاد حسني» السندريللا التى ملأت الدنيا بالفرح والسعادة ولم تفارقها ابتسامتها أمام الشاشات، وكم كنا نحتفظ بصورها بين صفحات الكتب والأدراج لكي لا يراها الأهل ، ماتت وقيل انتحرت وهى لا تملك سوى 3950 جنيها إسترلينيا للعلاج و58 جنيها لنفقات المعيشة، بعد أن منعت الدولة عنها الإعانة المخصصة لها ولعلاجها والتى كانت ترسل لها في لندن.
الفنان القدير أمين الهنيدي و بعد مشوار العطاء الفني الطويل مات بالمستشفى ولم يستطيع أهله تسديد مصاريف علاجه التى لم تتعد 2000 جنيه، مما أدى إلى تعثر أهله عن إجراءات استخراج جثته من المستشفى فور الوفاة.
كما جاءت نهاية الفنان عبد الفتاح القصرى التراجيدية متناقضة تماما مع إطلالته الكوميدية المميزة التي طالما أسعد بها جمهوره، فقد أصيب بالعمى المفاجئ أثناء تقديمه لأحد العروض المسرحية، التى شارك فيها إسماعيل يس واعتقد الجمهور وقتها أنها إضافة له وخروج عن النص فملأ المسرح بالضحك فى الوقت الذي كان يتألم به.
بيننا في بلادنا مبدعون وفنانون وكتاب وصحفيون وممثلون أضاؤوا يوماً ما حياتنا يعيشون اليوم في ظلمة العزلة والمرض وتحت صخرة الفقر الذي يكاد يخنقهم. أكرموهم و كرموهم و..أنقذوهم !
يرحمك الله يا زميلنا وصديقنا خيري منصور الذي مر على وفاتك الثلاثاء الماضي سنة كاملة دون أن يتذكرك أحد!
الدستور - الثلاثاء 24 أيلول / سبتمبر 2019.