عن «الانتخابات العامة» في فلسطين
تعهّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس إجراء «انتخابات عامة» في الضفة والقطاع فور عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، داعياً الأمم المتحدة لتحمل مسؤولياتها في الاشراف على الانتخابات، محمّلاً أية أطراف تعمل على عرقلتها، المسؤولية الكاملة عن فِعلة كهذه.
حتى الآن، يبدو أننا بإزاء «إعلان نوايا» لا أكثر ... ما الذي تعنيه الانتخابات العامة، رئاسية أم تشريعية أم كلتيهما معاً؟ ... وماذا عن انتخابات «المجلس الوطني الفلسطيني» التي طالما جرى الحديث عنها في حوارات المصالحة الماراثونية؟ ... هل الانتخابات مشروطة بمشاركة حماس، أم إن رفض الحركة، أو «فيتو» إسرائيلي محتمل في وجه مشاركتها سوف يعطل المسألة برمتها؟ ... ماذا إن رفضت إسرائيل مشاركة حماس في انتخابات الضفة، وكيف سيكون رد فعل حماس، وكيف سيكون رد فعل فتح على فعل إسرائيل ورد فعل حماس؟ .... ماذا إن رفضت إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس، هل سيمضي الرئيس قدماً في الوفاء بتعهده أم أنه سيتراجع عنه، خشية أن تكون الانتخابات بدون القدس، بمثابة اعتراف فلسطيني بالأمر الواقع الإسرائيلي المدعوم بإعلان الرئيس الأمريكي الاعتراف بالمدينة عاصمة لإسرائيل.
ما الذي تعنيه الانتخابات في ظل الانقسام؟ ... من يضمن نزاهتها بوجود سلطتين متصارعتين؟ ... هل في البال مثلاً، التوطئة للانتخابات بإجراءات بناء ثقة بين الجانبين من نوع: حكومة وحدة وطنية، رفع الإجراءات العقابية بحق حماس وقطاع غزة، تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير ... كيف يمكن لسلطتين متنازعتين إن تديرها الانتخابات ذاتها، وفي الوقت ذاته ... سؤال سيلقي بظلال كثيفة وكئيبة من الشك حول سلامة العملية وصحة التمثيل ودقة النتائج.
ثم، ما الذي يضمن أن تنتهي الانتخابات بنتائج تقبلها الأطراف، وتحديداً الفصيلين الكبيرين: فتح وحماس؟ ... ماذا إن فازت فتح فيها، وهي نتيجة متوقعة في ضوء نتائج الاستطلاع ومع تفشي ظاهرة تراجع «الإسلام السياسي» في عموم المنطقة؟ ... هل ستُسلم حماس سلطتها في غزة وتنتقل إلى مواقع المعارضة، أم أنها ستُشهر سلاح المقاومة «المقدس» في وجه التناوب على السلطة؟... وماذا إن عدنا لنظرية «لكم ما فوق الأرض ولنا ما تحتها»، أو نظرية «تسليم الحكومة والاحتفاظ بالحكم» ... ألم نمر بأوضاع كهذه من قبل، وما الذي يضمن أن تكون المرة القادمة مختلفة.
وماذا إن فازت حماس في الانتخابات، وهي نتيجة محتملة كذلك، في ضوء ما تقول به استطلاعات الرأي العام الفلسطيني عن تقارب أوزان الفصيلين مع أرجحية لفتح ... لن تواجه حماس مشكلة في غزة، بيد أنها ستواجه مشكلة مزدوجة في رام الله والضفة ... فتح لن تسلم السلطة، وهي لم تسلمها فعلياً (سلمتها شكلياً وفوقياً) في العام 2006، وإسرائيل لن تقبل بإدارة حماس للسلطة في الضفة، على مقربة من القدس والساحل والمستوطنات وغور الأردن ... كيف سينتهي هذا السيناريو، وكيف يمكن ترجمة فوز محتمل لحماس في الانتخابات العامة؟
هل سيبتلع الفلسطينيون خروج القدس من دوائرهم الانتخابية في الانتخابات العامة المقبلة، وما الذي يعنيه ذلك، سوى التسليم بالأمر الواقع الإسرائيلي ... كيف يمكن التحايل على «الفيتو» الإسرائيلي الذي سيكون مدعوماً أمريكياً بقوة هذه المرة؟ ... هل نكتفي بإجرائها في أحياء الكثافة العربية خارج أسوار الفصل العنصري؟ ... مسألة جوهرية، تخص العاصمة المحتلة للدولة الفلسطينية العتيدة.
الانتخابات في ظروف طبيعية، مخرج من استعصاء «الشرعية» ووسيلة لتداول السلطة ومحطة لتوزين وإعادة توزين أحجام وكثافة القوى السياسية المختلفة ... في الحالة الفلسطينية التي تتميز بالاحتلال والانقسام، قد تصبح الانتخابات سبباً إضافياً في إطالة أمد الاحتلال وإكسابه اعترافاً واقعياً بإجراءاته المفروضة بالقوة ومن جانب واحد (القدس)، وقد تكون مصدراً إضافياً من مصادر تعميق الانقسام وتأبيده ... المسألة برمتها بحاجة لحوار وطني وتفاهمات وطنية ... الانتخابات ضرورية، شريطة ضمان نزاهتها وحسن سيرها والاعتراف بنتائجها، والالتزام بالخضوع لهذه النتائج، فهل هناك ما يدعو للطمأنينة حيال هذه العناوين والمتطلبات؟
الدستور -