محطات في حياة جيل الرواد
ظاهرة حسنة أن يقوم بعض الرواد الأوائل في مختلف المجالات بتدوين مذكراتهم أونقل تجاربهم ونصائحهم للأجيال القادمة؛ لأنهم يشكلون ثروة فكرية وقدوة للأخرين بعد ان ساهموا بدورهم في بناء الوطن وتعزيز مكانته وقدراته.
وصلني من العم العزيز العميد المتقاعد عبدالله الرافعي كتابه الذي يحمل اسم «ومضات من الذاكرة»كما وصلني كتاب اخر من استاذنا الكبير والذي فقدناه قبل أسابيع المرحوم فاروق بدران ويحمل اسم «محطات في المسيرة التربوية».
كلا الكتابين يتضمنان عرضا لمسيرة كل منهما؛ الاول في مجال الشرطة والامن العام، والثاني في المجال التربوي، وانصح بقراءتهما؛ لانهما يحتويان تفاصيلَ وحوادثَ ومحطات ودروسا وعبرا نحن احوج ما نكون لها في هذه الايام.
يروي العميد المتقاعد عبد الله الرافعي والذي شغل قبل احالته على التقاعد قبل حوالي ثلاثين عاما منصب نائب مدير الامن العام كيف قام المرحوم وصفي التل رئيس الوزراء عام 1971 بخطوة لم يسبقه اليها احد وكانت تشكل معضلة للأمن العام وادارة السير وهي وجود الحافلات وسط العاصمة وقيام المتنفذين من اصحاب البنوك والشركات والمحلات التجارية بتخصيص مواقف لسياراتهم في الشوارع العامة حيث ترأس المرحوم وصفي التل اجتماعا لاعادة تنظيم السير في عمان بصورة جذرية وطلب في حينه رفع الحافلات والغاء جميع مواقف السيارات والتي كانت قائمة في وسط العاصمة وتشكل معضلة دائمة، قال مدير السير ان اصحاب تلك الحافلات وسياراتهم اناس متنفذون فاجابه وصفي التل بحدة وتصميم «بان الحكومة التي لا تستطيع تنظيم السير ليست حكومة وعليها الاستقالة».
ويروي العميد المتقاعد عبدالله الرافعي البدايات الصعبة في تأسيس دوائر الامن العام وكيف واجه كل المراحل الدقيقة التي مر بها الوطن ابتداء من تعريب الجيش الى الاحداث السياسية الداخلية وحرب حزيران وما نجم عنها من كارثة انسانية استنفرت كل اجهزة الامن العام لاستقبال وايواء النازحين والجهود المضنية التي بذلت لاقامة المخيمات والتي كانت تتعرض للعواصف والرياح والامطار الشديدة.
وعن تأسيس الشرطة النسائية يقول العميد المتقاعد عبدالله الرافعي ان مدير عام شركة طيران الملكية الاردنية المهندس علي غندور طلب منه تدريب بعض الفتيات للقيام باعمال التفتيش والحراسة داخل الطائرات وان يتم ذلك على حساب الشركة فكان ذلك مناسبة لميلاد وحدة الشرطة النسائية عام 1970.
اما الكتاب الثاني وهومحطات في المسيرة التربوية للاستاذ المرحوم فاروق بدران والذي شغل العديد من المناصب الرفيعة في المجال التربوي والتعليم العالي وساهم في تأسيس بعض الجامعات فهو يروي كيف كان اهالي السلط يرشون العطور والورود على الشهداء من مدينة السلط والذين قضوا في معارك البطولة والجهاد في فلسطين قبل النكبة وكيف شارك في تشييع جثمان اول سلطي في فلسطين وهوالشهيد احمد نعمان العطيات وكيف سارت الجنازة الرمزية التي تمثل نعش ملك العراق الشهيد الملك غازي بن فيصل بن الحسين وكيف هب اهل السلط وفتحوا بيوتهم ومضافاتهم لاستقبال اللاجئين عام 1948.
يروي الاستاذ فاروق بدران تفاصيل الحياة في السلط ويتحدث عن جيل الرواد من اساتذته وفي مقدمتهم كل من المرحومين.. محمد اديب العامري وحسني فريز وعبد الحليم بدران ومنصور الداود وبشير الصباغ وحسن البرقاوي وجميل شاكر الخانجي.
ويتحدث الاستاذ بدران عن محطات في حياته التربوية وان اكثر ما يعتز به هو هذا الحشد من طلابه الذين انتشروا في انحاء الوطن وفي الخارج لانه بذر بذورا يراها اليوم ثمارا يانعة تساهم في رفعة الوطن وازدهاره، ويؤكد ان مهنة المعلم من اقدس وانبل المهن وانه لا بد ان يعود اليها القها ومكانتها الاجتماعية الرفيعة.
الدستور -