أيها المعلمون الأغنياء
لا أنسى الذين علمونا، إذ مرّ زمان كان فيه المعلمون قادة وصنّاع التغيير، وصفوة المجتمع، كانت الحياة لا تُخضعهم للبدائل المعيشية كما اليوم من عمل خارج أوقات الدوام الرسمي، لكنهم كانوا في نظر المجتمع أهل الحكمة والرأي ولهم التقدير الكبير.
الحمد لله ما زال مجتمعنا بخير، فقد كشف الإضراب المنقضي عن حالة احترام وتقدير من غالبية المجتمع لهم، ومن كل الناس الذين يعرفون معنى حياة المعلم الجاد، والمعلم الذي يدخل الصف وامامه أكثر من خمسين طالبا أو طالبة.
نعم تحولت حياة المعلم إلى ظرفية صعبة، لكنه تحول طال كل الناس، وتغير المجتمع، وتعددت النخب وتحولت المؤسسات، في إطار عملية تحول كبير طالت كل اقتصاديات الدول، والأردن واحد منها، لكنه بلد غريب بزيادة سكانه المضاعفة في آخر عقدين من الزمن فينتقل من 4 ونصف مليون العام 1999 إلى نحو 10 مليون عام 2017.
كلّ هذا اوجد ضغطاً على القطاعات العاملة في الدولة، ووسع المصروفات في الدولة وفي المؤسسات، وتغيرت حياة الأفراد إلى نمط استهلاكي بشع، وكان المعلم والموظف البسيط في كل وزارة ضحية كل ذلك التحول، وآخر زيادة محرزة للمعلم هي في زمن حكومة عبدالرؤوف الروابدة العام 1999م. لاحقاً جرت زيادات لكنها آنذاك كانت الأكثر فرقاً.
جاءت مشاريع التطوير التربوي بعد ذلك وتطوير المناهج، ودخلت الوزارة في أدوار جديدة، وهي وزارة محترمة تختصر تجربة الأردن في البناء، فهي اليوم أثبتت أنها المجتمع وانها تمثل كل الأردن، فمؤسسة التربية والتعليم اتضح أنها في الإضراب ليست مسؤولة عن مئة وعشرين ألف معلم، بل مسؤولة عن نصف المجتممع تقريباً بين معلمين وأهالٍ ومؤسسات متصلة بأمر التعليم.
تقدمت المؤسسات كلها وتم هيلكة البعض منها، واستنبتت هيئات مستقلة تصرف اكثر من 700 مليون سنويا، وتحاول حكومة عمر الزراز حالياً دمح بعضها، لكن بعضها يصعب الغاؤه، وبعضها ممكن، والثابت أن اقتصاد الدولة توسع، وصرف الناس تعدد، وبقي راتب المعلم أقلمن المطلوب كي يعيش حياة كريمة.
يأخذون على المعلم أنه يُعطّل مدة طويلة في السنة، لكن المنصف يعرف أنّ يوماً واحداً في التدريس يعدل عشرة أيام مما يعدون في بقية مؤسسات القطاع العام، ولحظة واحدة امام طفل جائع مُصفر الوجه في قرية نائية تجعل المعلم اسفنجة تمتص كل ذلك الوجع، لا كما ينظر المنظرون عن وجوب صبر المعلم وهم في غرفهم المكيفة.
جاءت نقابة المعلمين بعد العام 2011 في إطار حزمة الإصلاح الوطني، ونتيجة لمسار مطلبي وطني للمعلمين، وكانت كذلك، بغض النظر عن قيادتها ومرجعيتها الفكرية، إلا أن للنقابة فضلا على منتسبيها في تحسين حياتهم ورفع مطالبهم أمام المجتمع والدولة ليكون العنوان واضحا « حياة كريمة للمعملم تعني متقدم» وقد قدمت النقابة قروضاً ومنحاً ودبّرت أمور منتسبيها في عمليات الشراء والخصومات والرحلات محاولة منها بأن تصنع لهم شيئاً لا تقوى عليه وزارتهم. ومن حق المعلم تأمين طبي يتقدم على كل موظفي الدولة، ومن حقة اعفاء جمركي بعد سنوات محددة في الخدمة، ومن حقه ان يتقدم مجتمعه في كل موقف.
اخيراً، أنهى المعلمون الإضراب الذي كان تاريخياً، وسجلوا فيه وعياً وطنياً، وسجلت في الحكومة حكمة طيبة في بذل كل جهد للحوار والتوافق، وفي النهاية سينتصر الوطن بأهل العلم، لانهم هم الأغنياء ونحن الفقراء بدون أن يكونوا في صفوفهم. وسيبقى وطنكم يحفظ لكم كل ما هو جميل، وستبقون مشاعل معرفة وحرية في كل صباح، فسلام عليكم في كل صف ومدرسة.
الدستور -