تحدّيات موازنة 2020
إعداد موازنة 2020 هذه المرّة سيكون ذو طابع خاص قد يختلف عن السنوات الماضيّة، نظراً لِتطورات المشهد الاقتصاديّ بشكل سلبيّ خلال هذا العام، مما قد يفرض تحدّيات على كيفيّة وضع فرضيات خطة الدولة الماليّة للعام المُقبل.
مع إعداد موازنة 2020 لابد من الإشارة إلى أن الكثير من الفرضيات الرئيسيّة في ميزانية 2019، قد تواجه الحُكومات صعوبات بالغة في تحقيقها مثل النُمُوّ الاقتصاديّ المُقدّر بـ2,3 بالمئة وزيادة الإيرادات الضريبيّة والنفقات العامة، كُلّها تتعرض لضغوطات باتجاه سلبيّ.
المؤشرات السابقة ستكون محور المراجعة قبل الأخيرة لبعثة صندوق النقد الدوليّ مع الحُكومة في الأيام المُقبلة والتي تتزامن مع إعداد مشروع قانون موازنة الدولة لسنة 2020، فما اتفق عليه الجانبان ضمن برنامج التصحيح لم يتحقق جزءاً كبيراً منه خاصة في الإيرادات والنُمُوّ، وبالتالي ستكون هناك مُراجعة قاسية وتقييم لنتائج ما حدث في عام 2019.
الحُكومة اليوم مطالبة بإعداد مشرع قانون موازنة يُحدد هوية الاقتصاد والسياسة الاقتصاديّة المُتبعة وذلكً من خلال الإعداد الاقتصاديّ لِبنودها هذه المرّة والخروج بمشرع غير تقليديّ يتناسب مع تحدّيات المرحلة، هُنا يتطلب من الحُكومةِ التحرك فوراً لإعادة إعادة النظر فيما يسمى ببند النفقات الرأسماليّة، والتي باعتقادي أنها بأمس الحاجة اليوم لترتيبها وتصنيفها من جديد، والتأكد من قيمتها المُضافة على الاقتصاد الوطنيّ.
المقصود بالقيمة المُضافة للنفقات الرأسماليّة هو أن تكون مشاريعها تتمتع بمؤهلاتٍ قادرة على جذب عُملات صعبة وجلب تكنولوجيّا عالية وتشغيل أيدي عاملة أردنيّة وتستخدم مدخلات إنتاج محليّة، مما يترك الأثر البالغ على الحركة الإيجابيّة على مؤشرات الاقتصاد الوطنيّ في حال التحقّق من توفر الشروط السابقة.
يكفينا التعاملُ مع بند النفقات الرأسماليّة على أنها نفقاتٌ تشغيليّة، وألا كيف تُفسر الحكومة إنفاق أكثر من مليار دينار في الاقتصاد الوطنيّ سنويّاً والنُمُوّ الاقتصاديّ لا يتجاوز 2 بالمئة في اقتصاد صغير مثل الاقتصاد الأردنيّ.
الأردن ليسَ بحاجةٍ اليوم إلى مدارس أو مباني أو مستشفيات جديدة بِقدر ما هو بحاجة إلى صيانة ما هو قائم منها والتي يعاني الكثير منها من نقص في الخدمات، لسنا بحاجة إلى فتح طرق جديدة، فالحكومات السابقة أنفقت ما يقارب المليار دينار فقط لا غير على طرق جديدة من أموال المنحة الخليجيّة، فهذه ليست أولويّة تنمويّة، نحن بأمس الحاجة إلى مشاريع تنمويّة رافعة ورافدة للنُمُوّ الاقتصاديّ وتعزز من مسيرة التنميّة فقط لا غير.
المديونيّة وكيفية التصدي لِنُمُوّها المقلق خاصة في ظل تراجع النُمُوّ عن المُقدّر، واقترابها من حاجز الـ96 بالمئة من الناتج المحليّ الإجماليّ، وخدمة الدين تتجاوز 1,1 مليار دينار، والوضع الإقليميّ في أسوأ حالاته، فالحروب الإقليميّة فرضت حصاراً مباشراً على الاقتصاد الأردنيّ، والذي انعكسَ بذلك على الصادرات الوطنيّة الذي يعتبر احد اهم أسواقها الاستراتيجيّة وهي السوق العراقيّة التي كانت لوحدها تستحوذُ على اكثر من مليار دولار من إجمالي الصادرات الأردنيّة، وخسارة السوق السوريّة التي كانت أيضاً تستحوذ على ما يقارب 500 مليون دولار، مما جعلَ اتجاه الصادرات يسيرُ سلباً عكسُ الأهداف المرجوة.
الظّرفُ الرَّاهِن يختلفُ عن كل الظُّروف السابقة، والوضع الاقتصاديّ يقتضي هذه المرّة أن تتعامل الحكومة بنظرة غير تقليديّة مع موازنة العام المقبل، وأن تحدث فيها ثورة حقيقيّة من حيث الإعداد والضبط الحقيقي للإنفاق.
الدستور -