القطاع العام على صفيح ساخن
كما كان متوقعا بدأت فئات مختلفة من القطاع العام بالتململ. الأطباء والصيادلة والصحفيون يشهرون مطالبات وحتى أئمة المساجد تظاهروا مطالبين بحقوق وعلاوات. لكن أمس أعلن مجلس نقباء النقابات المهنية عن تقديم صيغة كاملة لمعالجة “التشوهات” في نظام الخدمة المدنية والفروقات الهائلة في العلاوات الفنية، وحسب النقابات سيؤدي النظام المقترح لرفع العلاوات لكافة المنتسبين، وهذا الموقف الجماعي هو على كل حال افضل من انفلات المطالبات الخاصّة بكل فئة لتحصيل أقصى مكاسب خاصّة بها.
لقد شهدت الرواتب والأجور تآكلا مطردا ولو سارت الزيادات على الرواتب بنفس نسب التضخم وغلاء المعيشة لوجب ان تكون الرواتب ضعف ما هي عليه اليوم. بالمقابل، فإن رواتب ومكافآت مناصب عليا في الدولة والمؤسسات ومجالس الادارات وانواع معينة من الوظائف في القطاع الخاص شهدت قفزات هائلة. هذا الى جانب حقيقة التفاوت في المعدل العام للرواتب بين المؤسسات المستقلة والوزارات. وكانت دراسة للمجلس الاقتصادي الاجتماعي قبل عامين قد بينت ان مشروع اعادة الهيكلة الذي تم انجازه لم يقلص بل فاقم التباين وقد بلغ معدل كلفة الموظف في الحكومة 6353 دينارا سنويا أو ما يقارب 529 دينارا شهريا، أما في المؤسسات المستقلة فمعدل الكلفة 10480 دينارا سنويا او ما يعادل 873 دينارا شهريا.
نظام التمييز والامتيازات فاقم الاحتقان الاجتماعي. ويكفي ان أضرب مثلا بالتأمين الصحي للفئات العليا الذي لا يتناسب ابدا مع مبادئ العدالة ومتطلبات التقشف فهؤلاء يستطيعون تلقي العلاج في القطاع الخاص الفخم كما يشاؤون على حساب التأمين الصحي دون ان يدفعوا فلسا واحدا ولنتخيل كم من الهدر والانفاق الزائد يحدث نتيجة هذا النظام ؟!
هذا الواقع كان وراء التعاطف العام والشامل مع المعلمين. وبعد النجاح الكاسح لإضرابهم كان واضحا للمراقبين أن الحركة الاحتجاجية سوف تتمدد بالضرورة الى مختلف فئات القطاع العام التي تستطيع ان تضغط بشدّة على الدولة عبر الاضرابات والامتناع عن العمل وخصوصا القطاعات الخدمية وقد اصبح لديهم الخبرة والمعرفة والمراس للدخول دون خوف في مواجهات جماعية مع الحكومة ضمن الهوامش والحدود التي تبدو فيها مطالبهم عادلة ومقنعة بينما تجد الحكومة نفسها يتيمة معزولة تتعثر في ادارة الأزمة وتفتقر لأي دعم او تعاطف.
لقد وصلنا الى خط النهاية في مسيرة الحياد المطلبي للقطاع العام المحكوم بأنظمة وقوانين. كل القطاعات تتحفز لخوض مواجهة مطلبية وكما قلنا في مقال سابق على الحكومة استباق ذلك بفتح الملف لمعالجة شاملة واصلاح جوهري يجمع بصورة وثيقة بين رفع الرواتب ورفع الأداء. ولا ندري اذا كان الخبر عن تحضير الحكومة “المسودة الأولى من التعديلات على نظام الخدمة المدنية” يعني ان الحكومة قد أعدت درسها وتعلمت من تجربة المعلمين وتهيأت برؤية ومقترحات متطورة وحسب رئيس ديوان الخدمة سامح الناصر فقد تم إدخال 125 تعديلا وسيكون هناك ربط للعلاوات والمكافآت بالأداء الفردي والمؤسسي. لكن يتوجب انتظار التفاصيل لتقييم حجم التغيير وسويته وسنشهد على الارجح انخراط النقابات والحكومة ومعهما القوى السياسية والاجتماعية المختلفة في سجالات ساخنة وهذا على كل حال افضل من ذهاب كل قطاع الى معارك مطلبية منفردة.
الغد - الاحد 13-10-2019