من محمد العكور الى ذوقان عبيدات .. ليتني لم اسمع منك
ربما يخاطبك قبلي الشاعر الأعشى حين قال :
كَناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً ليِوُهِنَها * فَلَمْ يَضِرّْها وأوْهى قَرْنَه الوعِلُ
لا أدري ما الذي يزعجك من القرآن الكريم ، وهو الكتاب العظيم الذي اعترفت له الجن تعظيما واستسلاما . واستكانت لجلاله عنتريات أبي جهل وعتبة وشيبة . وهانت أمام رفعته نفائس القصائد . وسجدتْ بين يديه الفصاحة والبلاغة العربية معلنة إفلاسها عند جلال حروفه ، وجمال تركيبه ، ونبتَتْ تحتَ ظلّه كل العلوم ، وانصاعت له حتى البهائم التي لا تعقل ، فكان دستور الكون ، تتنفس به ذرات وجوده ، وتنتظم وفقه حركة السكون وسكون الحركة في كل مفردة كونية...
سمعتُ لك كلاما كثيرا حول مناهجنا ، وسمعت استنكارك للنفَس الإسلامي في مناهجنا الماثل في الآيات الكريمات المعجزات . وحاولتُ أن أقلّب سمعي تردادا في عالم التشكيك ، لعلّي أجد لنفسي داحضا لما أسمعه ، فأنت العربي المسلم المنحدر من عشيرة ضاربة في التأريخ...سمعت لك وليتني لم أسمع . فإذا كنت لا تريد للقرآن أن يتغلغل في نفوس الطلائع ، فما البديل عندك...؟ أتريد أن نحشو عقولهم بخرافات اسفنديار ، أم بخزعبلات ماني وزرادشت ، أم بهرطقات أرسطو وافلاطون ، أم بنفايات العولمة الحديثة التي انحرفت بنا إلى الهاوية ؟ أم تريد أن ننتج جيلا راقصا ماجنا تافها ضائعا لا صلة له بالله ولا بالقيم والفضيلة العليا....؟
وإذا كان القرآن لا يعجبك في مناهجنا ، انسجاما مع العولمة ، وتحاول أن تنتقص من قدره ، وتقلل من قداسته ، بحجة أن هذا دعشنة للمناهج وإرهاب تربوي ، فما الذي تقوله لأسياد عولمتك اليهود وهم يدرّسون النصوص الدينية من نشيد الأنشاد إلى التوراة إلى أسفارهم المحشوة بالتضليل والمحفوفة بالتقديس...؟
وإنه ليحزنني أن يكون خبير مناهج مثلك يستنكر على الله بعض كلامه ، وزادني حزنا أنك حين أردت ذلك في ندوة عامة ، وإلى جانبك مروان المعشر ، لم تُحسن قراءة الآية ، فاستنكرتَ كلمة "ليَصْرمُنّها" ، وليتك عرفتَ قراءتها على وجهها الصحيح ، حين استحدثتَ كلمة لا وجود لها في كتاب الله حين قرأتها " لنصرمنّه " ..فهلّا تعلّمت شيئا من القرآن الكريم قبل أن تنهَدَ لما لا طاقة لك به ، ولا بمناظرة أقلّ تلاميذ هذا الكتاب ومرتّليه....
وإنه ليحزنني أن تُغمض عينيك عن كل أشكال التعهير في حياتنا ، وتفتح عيون نقدك الساخر على كتاب الله العظيم...ليتك رميت سهما واحدا على الشيطان ...ليتك أبقيت حبلا بينك وبين الله ، وبينك وبين هذا الشعب الذي يفتدي دينه وقرآنه بروحه وولده وكلّ غالٍ ونفيس...؟
وإذا كان القرآن العظيم لا يعجبك في مناهجنا ، فعليك أن تأتي بالبديل ، وأن تنتج- أنت ومن معك - شيئا يسيرا من الحضارة العظمى التي أنتجها هذا القرآن العظيم ، وأن تعيد لنا نزرا بسيطا من المجد والكرامة التي حققها لآبائنا الأولين ترتيلُهم لآياته ، وفهمُهم لمقاصده ، وعملهم بمقتضاه ، لا سيما ونحن اليوم في قعر الحضيض وأسفل سافلين في المحافل الدولية....
وانطلاقا من واجبي الديني أدعوك ، وأنا مشفقٌ عليك من مصيرك غدا أمام الله أن تعيد النظر ، وأن تقتنع أنه لا أنت ولا كل قوى الباطل تستطيع زعزعة طفل صغير في بيوتنا ، وإقصائه عن قرآنه العظيم . وقد حاول قبلك المستشرقون الذين لم ولن تبلغ معشار علمهم ودهائهم ، حاولوا أن يغيّروا شيئا فعادوا بخفّي حنين ، ودامت عليهم لعنة التأريخ والأجيال ....