الأردن.. منطقة حرة جمركيا
بلغت قيمة مستوردات الأردن السلعية العام الماضي حوالي 14.5 مليار دينار شكلت ما نسبته 48 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ في نفس العام حوالي 30 مليار دينار بالأسعار الجارية، وفي نفس العام بلغت حصيلة الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية والتي تعني الرسوم الجمركية حوالي 292 مليون دينار، وبحسبة سريعة يتبين ان نسبة “الجمارك” الى اجمالي المستوردات تبلغ بالكاد 2 في المائة. وهي نسبة متدنية بكافة المقاييس.
واذا ما تم استثناء ثلاث سلع (المركبات بأنواعها، الدخان والكحول)، والتي تعتبر أهم مصادر الدخل للجمارك المصدر ، يمكن اعتبار الأردن منطقة تجارة حرة دون المبالغة في ذلك الوصف، حيث ان الرسوم اللاحقة تعتبر داخلية مثل ضريبة المبيعات والضرائب الخاصة تفرض على كافة السلع ، وما يستحق عليها من رسوم وتعقيدات لاحقة. وهنا لا بد من الإشارة الخاصة الى الضرائب على المحروقات ومشتقاتها التي تعتبر ضرائب داخلية.
كان لا بد من هذه المقدمة المستقاة بياناتها من مصادر رسمية للإشارة الى ان الحصيلة الفعلية للجمارك لا تتساوق مع حجم الشكاوى التي ترد فيما يخص عمل دائرة الجمارك ، والتعقيدات والإجراءات العديدة التي يحاجج كثيرون في انها تعيق الاستثمار. وعلى ما يبدو ، فإن الإعفاءات التي تضمنها العديد من الاتفاقيات ونذكر منها : اتفاقية التجارة الحرة العربية، اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي ، اتفاقية التجارة الحرة مع اميركا ، وقبل ذلك اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا كان لها اكبر الأثر في تخفيض الحصيلة الجمركية ، فبقي لدينا الإطار المعقد للإجراءات التي لا تساهم بتعزيز الايرادات المحلية غير المباشرة ، ولا يوفر أيضا حماية للصناعات الوطنية . يضاف الى ذلك عمليات التهريب والالتفاف على القوانين وآليات التطبيق.
إضافة الى الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الأطراف هناك جملة من الإعفاءات العشوائية التي منحت عبر سنوات خلت ولم يتم مراجعتها او تقييم أثرها ، ومن هنا تبرز الحاجة لإجراء تقييم فعلي لجدوى الاتفاقيات التجارية وكذلك الإعفاءات والحوافز التي منحت خلال فترات معينة ولأسباب آنية لكن تم الاستمرار فيها حتى الآن، فهل نستمر على ذات النسق ام نلجأ لحل سهل بأن يتم إعلان الأردن منطقة حرة مفتوحة للتجارة باستثناء المصادر الرئيسة التي نحصلها كجمارك على بعض السلع.
وهناك اقتراح آخر أسهل يتمثل بأن تصبح الجمارك في الأردن ثلاث أو أربع شرائح فقط بدلا من النظام القائم حاليا والذي لا يوجد بالضرورة مبررات اقتصادية له بحيث يمكن لهكذا نظام تأمين تحصيل الايرادات عند مستواها الحالي وفقا لنظام يخفف كثيرا من الممارسات والاجتهادات المعيقة والمثيرة للشكوك .
ونحن في خضم الحديث عن الإصلاحات هناك جوانب مؤسسية هي الأساس للانطلاق وتغيير المعادلات القائمة، وهذا يحتاج لقرارات داخلية يمكن البدء فيها ، اما إضافة المزيد من الحوافز دون معالجة بعض الاختلالات الهيكلية والمؤسسية فلن يغير من الواقع شيئا بل يمكن ان يعمق من بعض الاختلالات، الديناميكية وآليات اتخاذ القرار تتكرر ، فهل نستفيد من النافذة الضيقة المتاحة.
الغد - الاثنين 4-11-2019