الاقتصاد وإعادة التفكير بمفهومنا للاستقرار
هناك ثلاثة معايير أساسية تحكم قدرة أي نظام سياسي على الاستقرار والاستمرار؛ وهي القدرة على ممارسة وقبول النقد والتصحيح الذاتي، ومستوى المناعة الذاتية في مواجهة الأمراض والعلل، والقدرة على التجدد. السؤال الذي بات ضرورة عملية اليوم كيف يمكن أن نفكر بتطوير مفهومنا للاستقرار في ضوء التحولات والإستراتيجية والصعوبات الاقتصادية بالمقارنة مع الخبرات السابقة، وتحديدا فيما يتعلق بالاستقرار المحلي؟
تملك الدولة الأردنية ممثلة بالدرجة الأولى بنظامها السياسي واحدة من أطول الخبرات الإقليمية والدولية في إدارة الاستقرار، وواحدة من أكثر التجارب الهادئة في إدارة التحولات في الاقتصاد والسياسة والعلاقة مع المجتمع؛ الأمر الذي يتطلب تطوير تصور واضح حول كيفية مساعدة المجتمعات المحلية والأسر في التكيف الإيجابي مع التحولات الاقتصادية الراهنة والمتوقعة.
لا يوجد لدينا تقدير موضوعي؛ حول ما صارت إليه أحوال التنمية المحلية في ضوء الأوضاع الاقتصادية التي لا يتوقف الخطاب الرسمي عن وصفها بأصعب الأوصاف، وتحديدا في المحافظات وفي الأحياء الأكثر تهميشا وضعفا في المدن الكبيرة، للأسف تذهب انعكاسات الواقع الاقتصادي نحو تعميق ضعف نتائج التنمية المحلية ونحو المزيد من التهميش والإضعاف لفئات واسعة من المجتمعات المحلية التي تواجه هذه الظروف بدون قدرات حقيقية على التكيف والصمود.
لقد كان الرهان الرسمي في ظروف اقتصادية سابقة متعددة على قدرة المجتمعات المحلية على التكيف مع ظروف تفاقم البطالة وزحف مساحات الفقر أو موجات ارتفاع الأسعار، وعادة كان التكيف، مصدره ذاتيا أو سياسيا، مرتبطا بقيم النظام السياسي والإجماع عليه، وليس استجابة لبرامج اقتصادية اجتماعية، وبالنظر الى التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها البلاد يبدو واضحا انه ومنذ عام 2009 اخذت مؤشرات التكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة تتراجع ببطء وربما وصلت ذروتها في العديد من المناطق، منذ العام 2008 لم يدرس الفقر بشكل معمق في الأردن ومنذ العام 2012 لم تجدد خرائط توزيع جيوب الفقر، في الوقت الذي تذهب التوقعات الى ان جيوب الفقر تمتد اليوم لتصل أكثر من 30 لواء من أصل 51 لواء.
التوسع في برنامج الدعم التكميلي لمساعدات صندوق التنمية الوطنية على قدر ما يجسد استجابة رسمية مهمة لتدارك مناطق الهشاشة الجديدة، فهو ايضا يشير الى مخاطر اخرى. المشكلة القائمة تكمن في استمرار تدهور أحوال عشرات الآلاف من الأسر نتيجة التراجع الحاد الذي شهده عدد من القطاعات المرتبطة بالمجتمعات المحلية على سبيل المثال الزراعة في الأغوار وفي وادي الأردن وفي المحافظات ذات الطابع الزراعي، او بعض القطاعات الخدمية المحلية حتى تلك المرتبطة بالإنتاج والخدمات غير المنظمة، فالحاجة اليوم إلى أدوات تكيف جديدة تأخذ بعين الاعتبار كل هذه التحولات وتستند الى ممارسة الاستدامة والإنتاج قبل أي اعتبار آخر.
من المفترض أن الوعي الاجتماعي للدولة قادر أن يحسم بوضوح فكرة التحيز الإيجابي للقاعدة العريضة من المجتمع، وأن ينعكس ذلك في القوانين والسياسات العامة وفي السلوك اليومي للمؤسسات، وفي برامج تكيف اقتصادي واجتماعي مبتكرة وملائمة وقادرة على النفاذ، وبالتحديد في هذه المرحلة التي تشهد تحولات واسعة وقاسية.
الغد = الاثنين 4-11-2019