«وين الملايين؟»
كما الحب يبدأ بنظرة فإن الحرب تبدأ بطلقة. الطلقة عادة تكون رصاصة أو قذيفة، لكن الحرب بل الحروب التي تشهدها منطقتنا العربية اليوم أشعلتها كلمة. كلمة «وطن قومي لليهود في فلسطين». وهي اساس وعد بلفور 2 تشرين الثاني عام 1917.
مرت قبل ايام ذكرى الوعد «المشؤوم»، كما كنا نسميه، بدون أن نتذكره. وكيف لنا ان نتذكره ومعظم الدول العربية تحولت الى «فلسطينات» مغتصبة من اعداء أشرس من «اسرائيل». نعني : الفساد و التبعية للأجنبي والارتهان للمستعمر الأخطر «البنك الدولي»؟!
الشعوب العربية التي انتظرت تحرير فلسطين وجدت نفسها في قبضة الفقر و الجوع، أيديها مقيدة بسلاسل من الاقساط و الضرائب و البطالة والديون.
لم يعد دفتر الدكان القديم الأسود يتسع لتسجيل دين اهل الحارة : خمسة قروش سكر، قرشان شاي، تعريفة كبريت، خمسة قروش باكيت دخان، ثلاثة قروش جبنة مثلثات. كان صاحب الدكان يحتمل لأن السداد كان في آخر اليوم وفي أقصى حد آخر الأسبوع.
ثروات الوطن العربي كثيرة. كانت تكفي الناس، يأكلون من قمحها و زيتونها و عنبها و حمصها و فولها ولحوم اغنامها و ابقارها. لكن منذ أن قتلوا السنابل وعطشوا الأرض وكسروا عصا وأرجل الراعي، لم يعد ثمة قمح وصار الرغيف قمر الفلاح البعيد.
ومنذ ان اصبحت مليارات العرب في بنوك الغرب لا في أرض العرب جاعت الشعوب و تكرشت بطون فئة المستغلين و المستهترين و المستعمرين ممن يحسبون من ابناء البلد. كفر الجوع و ها هي الشعوب تخرج الى الشارع في لبنان و العراق تلعن الفساد و الفاسدين فيما شعوب أخرى تستعد لما هو اكبر.
قال جاكوب روتشيلد احد احفاد المليادير اليهودي الذي كان اكبر المساهمين في تأسيس الكيان الاسرائيلي واحد ابرز اعضاء الحكومة اليهودية العالمية :» سنجعلهم يسرقون اموال شعوبهم ليودعوها في بنوكنا ثم نعيد اقراض شعوبهم من اموالهم «.
هذه هي المعادلة وهنا يكمن سبب ما يجري في بلادنا العربية. أغرقوا الاسواق بالبضائع غير الضرورية، سهلوا الحصول على «قروض ميسرة». احصل على عشرة اضعاف راتبك، على سيارة بدون دينار مقدم، على شقة لعشرين سنة، على بطاقة بقيمة راتب الشهر القادم لتصرفه هذا الشهر فتقعد بلا راتب لتستدين من بنك آخر.
اصبح المواطن وحشاً استهلاكياً يصرف اكثر مما ينتج، يأكل اكثر مما يجب، يظهر للناس عكس ما يقول واقعه، حتى يلتف حبل الديون حول رقبته ويقبع في السجن أو في القبر.
كان الكل يسأل : أين أموال البلد؟ صار الكل يعرف أين اموال البلد. من يستمع لهتافات المتظاهرين في بيروت و طرابلس وصور، وفي بغداد و البصرة ومدن العراق المحتل يعرف السبب، فئة ضالة تتحكم في مقدرات البلد و يتحكم بها صندوق النقد الدولي!!
في الانتفاضة الفلسطينية انتشرت اغنية جوليا بطرس «وين الملايين/ الشعب العربي وين». بعد كل هذه السنين يهتف الشعب العربي في الشوارع «وين الملايين» المسروقة من أفواه أطفالنا و جيوب فقرائنا!
الدستور -