نحن والتجربة المغربية
نظم مشروع الاتحاد الأوروبي لدعم مؤسسات الديمقراطية الأردنية الأسبوع الفائت لقاء في عمان لاثنين من القادة البرلمانيين المغاربة من حزبي الاستقلال والعدالة والتنمية – وهما من الأحزاب الرئيسة في المغرب –للتذاكر بشأن التجربة الحزبية البرلمانية والانتخابية المغربية والحق ان المقارنة تبعث على الأسى.
التجربة المغربية ليست غريبة علينا لكن اللقاء أعاد تنبيهنا للفارق الذي لم يتقلص ابدا بل ازداد اتساعا بيننا، وأعاد طرح السؤال عن معنى استمرار هذه الفجوة الكبيرة في التقدم السياسي بين النظامين الملكيين العربيين، هذا مع ان الملكية في الأردن في بعض الجوانب هي أكثر حداثة وعصرية.
منذ التعديلات الدستورية العام 2011 وبموجبها يكلف ملك المغرب الحزب الأكبر بتشكيل الحكومة وحتى قبل ذلك كانت الأحزاب هي عماد تشكيل الحكومات منذ التسعينيات. ولا شك ان تاريخ الحياة السياسية في المغرب يختلف عنا كثيرا، فمن جهة تاريخ القمع كان اكثر شراسة ودموية عندهم وخصوصا خلال الفترة التي اطلق عليها سنوات الجمر بين الستينيات والثمانينيات، وثمة اشكالات جوهرية في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والاداري للدولة، لكن بالمقارنة المبدئية معنا وخصوصا بما يخص الأحزاب والانتخابات والبرلمان القائم على الاحزاب وتشكيل الحكومات المنتخبة فهناك مسافة شاسعة لصالحهم فكل ما ذكر آنفا اصبح واقعا عندهم وما يزال حلما عندنا. فهناك يشكل الحزب الاكبر عندهم الحكومة واذا لم يكن لديه اغلبية يبني ائتلافا مع احزاب اخرى وعندما شكل الاسلامي المعتدل بن كيران الحكومة كان حزب التقدم والاشتراكية (شيوعي) من بين من ضمهم الائتلاف.
النظام الانتخابي عندهم قريب للغاية من نظامنا الانتخابي فهو يقوم على قوائم التمثيل النسبي للدوائر في المحافظات تماما كما هو عندنا والفارق الجوهري هو ان الأحزاب هي التي تقدم اللوائح الانتخابية في كافة الدوائر وليس أفرادا مستقلين. وحسب المتحدثين المغاربة من الصعب جدا ان يتقدم مرشح مستقل للمنافسة كما أن التمويل العام للانتخابات يقوم على اساس حزبي. وهناك طبعا بعض الفروق الأخرى اذ إن 92 مقعدا من اصل 395 مقعدا مخصصة لدائرة وطنية يتنافس على مقاعدها النساء والشباب وفق نفس الصيغة الحزبية. أي ان كل حزب يتقدم بمرشحيه لجميع المقاعد وتأخذ قوائمه المحلية وقائمته الوطنية مقاعد بنسبة أصواته وهناك عتبة 3 % تمنع تفتت الأصوات على قوائم ضئيلة.
طبعا الاعتراض الرئيس لاقتباس المثال المغربي سيكون ان الأحزاب عندنا ضعيفة وغير مؤهلة لهذا الدور لكن هاتوا نفكر بصوت عال: لو فكرنا ان نضيف الى نظامنا الانتخابي الحالي في البند الخاص بالترشيح التالي فقط: تقدم طلبات الترشيح مركزيا من خلال ممثلي الأحزاب السياسية المرخصة أو الائتلافات الحزبية لكافة الدوائر أو لعدد لا يقل عن ثلث دوائر المملكة ويتم اقرار القوائم المترشحة موقعة من المرشحين مكتملي الشروط التي نص عليها القانون. ثم ودون حاجة الى تعديل دستوري اذا اعلن جلالة الملك انه سيكلف الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة .. ماذا سيكون أثر ذلك على الساحة السياسية والانتخابية؟ ان جميع الطامحين للترشح سيبحثون عن احزاب أو سيشاركون في ائتلاف يترشحون من خلاله وسيحدث حراك واسع لإعادة تشكيل الأحزاب السياسية لاستيعاب هذا التطور وستنخرط كل الشخصيات والفعاليات الوطنية النافذة في هذا الحراك وسنشهد تحولا لم يحدث طوال السنوات الثلاثين الماضية لكن النغمة التي نسمعها اليوم تقول ويا للعجب ! لا تعديل على قانون الانتخاب؟!
الغد = الخميس 9-11-2019