ابتلاع سوريا على الهواء بغطاء من النظام
حيثما يحل وجود " شكلي " للنظام السوري في اي بقعة من سوريا المحطمة ، فإن هذا يعني ان وجودا روسيا وايرانيا حل في المكان ، إما على شكل قواعد جديدة ، وإما ضمن سياق استراتيجي يتخذ شكلا ما .
وأيا كان الأمر ، فإن النظام الذي يتخذ مواقفه السياسية بناء على اوامر هذين البلدين ، من اجل تغطية وجودهما " القانوني " وبالتالي ايجاد مسوغ لإبقائه حيا ، رأيناه يشن وحليفاه حملة شعواء على المدنيين في ادلب وما حولها ، بدعوى " اعادتها الى حضن الوطن " كما يقول الاعلام ، مع ان هذا " الحضن " شهد آلاف الموبقات بشتى اصنافها .
فإذا استذكرنا تصريح ترامب الذي اطلقه في العشرين من آذار الفائت حينما اعلن أنه بصدد اخراج القوات الامريكية من سوريا ، فإننا ومنذ ذلك التاريخ نقف على العديد من التصريحات المتناقضة بهذا الصدد كان آخرها ما اعلنه وزير الدفاع الامريكي بتاريخ 13 - 10 - 2019 حينما نسف كل تغريدات ترامب مؤكدا بأن الولايات المتحدة ستبقي قواتها في هذا البلد ، والمفارقة أن هذا هو ما يحدث الآن ، بل إن ما كشفته مصادر مطلعة هو ادهى من كل ذلك واخطر ، حينما اكدت انه وبعد التقصي وجدت بأن الامريكان يوسعون نفوذهم في المنطقة بعكس ما يعلنون ، وبأن المساحة التي يسيطرون عليها في سوريا زادت بمقدار الثلث منذ الاعلان الاول عن اعادة الانتشار الامريكي .
فبينما كانت وكالات الانباء تنقل مشاهد لقوات امريكية تخرج من سوريا باتجاه العراق ، قالت المعلومات المنسوبة لمصادر استخبارية منشورة بأن الرقابة العسكرية منعت تصوير قوات اخرى قادمة من العراق باتجاه سوريا ، وهو ما تحدث عنه الروس في حينه عن انهم لم يلحظوا اي انسحاب امريكي ، ليتبين بأن هذه القوات القادمة من العراق كانت تتجه الى شمال شرق سوريا ، والى الجنوب ، ومن مهماتها بناء قواعد جوية جديدة بعد سيطرتها على حقول النفط والغاز .
يتبين من كل ذلك ، بأن محاولة النظام اشعال جبهة ادلب ليس سوى رد روسي على التحرك الامريكي في الشمال ، والذي لم يتغير لا بعدده ولا بعدته ، وهدفه زيادة تواجد الجنود الروس في نفس مناطق النفوذ الامريكي ، ما يوحي بتفاهم ضمني بين القوتين على تقاسم الكعكة ، وهو ما يغضب الايرانيين المنشغلين بمشاكلهم الاقتصادية والسياسية في كل من لبنان والعراق ، بعد أن لوحظ مؤخرا ارتخاء اليد الايرانية عن الامساك بتلابيب اللعبة في هذين البلدين .
هي لعبة للكبار فقط ، ويكفيها " وقاحة " و " بجاحة " ان يعلن الرئيس الامريكي بأنه سيحتل منابع النفط والغاز السوري من اجل حصول امريكا على حصتها ، وأيضا من اجل الاتفاق على الاكراد .. هكذا عينك عينك وعبر وسائل الاعلام وفي بث مباشر ، في الوقت الذي تقول فيه المعطيات الميدانية بأن الروس لن يكتفوا بقاعدتي حميميم وطرطوس ، وبإن قواعد روسية اضافية قيد الإنشاء ، دون ان ننسى القاعدة البحرية الايرانية على المتوسط .
هكذا اصبحت سوريا : ارضا مشاعا يتم تقاسمها وابتلاعها بغطاء من النظام ، بعد أن اصبح العالم تجاه هذا البلد العربي المحتل ، فاقدا للاخلاق والمنطق والانسانية !.
جى بي سي نيوز - الاحد 10-11-2019