بانتظارهم على «أحرّ» من الجمر
ملفات فساد بانتظار «القضاء»، أغلب المتهمين فيها مسؤولون كبار، سابقون وحاليون، والمبالغ - المسروقة - بمئات الملايين، أما التفاصيل فما زالت قيد التحقيق في هيئة مكافحة الفساد.هذه الاخبارسربتها الهيئة الى وسائل الاعلام قبل ايام، حيث اكدت فيها انها « بصدد الكشف عن قضايا فساد كبيرة خلال الأيام المقبلة، وتحمل تفاصيلها مفاجآت وأسماء معروفة متورِّطة» .
هذه - بالطبع - خطوة في طريق طويل، فنحن نعرف ان «مؤسسة» الفساد أصبحت أقوى مما نتوقع، وأوسع مما نظن، ونعرف ان «للفاسدين الكبار» شبكات نفوذا وعلاقات عامة، وحساب ومصالح ممتدة ومعقدة، ولكن ما يشجعنا أننا بدأنا، وان وجود الارادة السياسية ويقظة عين الرقابة وفتح أبواب «المساءلة» ورفع موازين العدالة، وكسر حواجز الخوف.. كفيلة بضرب هذه «البؤر» وتطويقها، وكفيلة باضعاف شبكاتها وردع المتورطين فيها والمتعاملين معها، وكفيلة بتحرير بلدنا «الفقير» من هذا «الطاعون» الذي فتك به وأجهز على مقوماته وكرامة الانسان فيه.
هل يمكن ان نقول الآن : رفعت مظلة حماية الفساد، وانكشفت بعض اسراره، وخرج بعض الذين كانوا «يجلدوننا» بالمواعظ والدروس الوطنية والمصلحة العامة «عراة» أمامنا ..؟
كان بعضنا يعرفهم بأسمائهم وبمظاهر الثراء الفاحش الذي نزل عليهم بالبراشوت، لكنهم في غيبة المحاسبة والمراقبة، واسترخاء القوانين وشيوع ثقافة «اكسب واهرب» وقيم «الشطارة» وخفة اليد، استمرأوا فسادهم وأجهزوا على ما وصلت اليه أيديهم، وأودعوا ضمائرهم في «الثلاجة».. حتى دقت ساعة «الغضب»: وهم يتابعون فصول بيع الاراضي العامة والمؤسسات وانتشار عدوى الخصخصة وسياسات التوريث والتعيين والعبث بالحقوق، وحين دقت تلك الساعة، وجد هؤلاء أنفسهم مكشوفين تماماً، بانتظار القضاء الذي لا يظلم أحداً.
لسنا دعاة انتقام وانما دعاة محاسبة ومعاقبة، ونحن لا نريد أن نقتص من هؤلاء بذاتهم - متى ثبت فسادهم، ولكننا نريد ان نستعيد أموال الناس التي سرقت، وحقوقنا التي ضاعت، ونريد ان نؤسس لمرحلة جديدة يعلو فيها صوت القانون على كل صوت وتتلاشى فيها قيم «الشطارة» والمحسوبية، وتستيقظ الضمائر التي أقسمت على الاخلاص للبلد فلم يلتزم كثيرون بالقسم، ويتعلم الآخرون من الدرس ليجتازوا امتحان المسؤولية.
لا معنى للاصلاح - أي اصلاح - اذا لم يقلع أشواك الفساد واحساكه من تربة المجتمع، ولا معنى لاي تحول ديمقراطي اذا لم يطح برؤوس الفساد ويحطم أساطيرهم ونفوذهم، ولا قيمة لبرامج التنمية وخطط البناء ووصفات «شدّ البطون» ودعوات الصبر والتحمل وانتظار الفرج الا اذا تمت عمليات تحرير المجتمع - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، من الفساد، فأبشع أنواع الفقر ما كان متزامناً مع الفساد، وأسوأ شعور بالبطالة ما كان مرتبطاً مع المحسوبية والشللية، وفساد التعيين وتفاوت الرواتب، لأنه في غياب «الفساد» وسيادة موازين العدالة والمساواة، يكون الناس «أكثر» قناعة ورضى حتى لو كانوا فقراء.
مع اقتراب نهاية هذا العام لا اريد ان احلق في عالم الاحلام والامنيات، لكن بانتظار رؤية هؤلاء الكبار «المتهمين» بالفساد على احر من الجمر، عندها سيفتح الناس أعينهم على صورة بلدهم الجديدة، وسيكونون أكثر ثقة «بالإصلاح» ودعواته، لكن حذار حذار أن تمر القافلة من أمامهم ثم تمضي إلى طريقها.. وتعود إلى «مواقعها» ونكتفي بما كنا سمعناه: هي مجرد شبهة فساد..!
الدستور -