“نقلع العين اللي لدت تلانا”
لا أظن ان القصد من الأغاني التي يكتبها الشباب والشابات الأردنيون إثارة العنف او توليد النزعة لارتكابه فجميعها جاءت لتتغنى بالوطن والتعبير عن الحب والاعتزاز. الأغاني الوطنية لها ايقاع تعبيري يثير الحماس ويدفع البعض إلى ترديد الكلمات والتفاعل مع اللحن بعفوية دون التوقف عند المضامين والمعاني فيكفيهم ان يسمعوا كلمة يا الأردنية ليطلقوا زغاريدهم او يصابوا بحالة هيجان ونشوة وطنية لا تتوقف.
“السلك الأحمر لبسه الغوانا” التي تغنيها الفنانة الموهوبة امل شبلي إحدى الأغاني التي ما ان يسمعها الشباب حتى ينهضوا من مقاعدهم ويشاركوا في الدبكة التي غالبا ما تنتظم بلا تحضير. لا احد من الشباب يعتقد ان للحن الأغنية الجميل او لكلماتها علاقة بالعنف او تأثيرا على السلوك الذي قد نمارسه تجاه الآخرين.
وجود النصوص التي تحمل تهديدا بالعنف لا تقتصر على الاغاني فهي في التراث الديني والأشعار والسير والملاحم وفي التراث والروايات والاساطير وكافة اشكال الانتاج الفكري والثقافي والفني الذي يشكل الشخصية.
التهديد بقلع العين اللي لدت تلانا ليس المقطع الوحيد في سيل الاغاني فالفضاء الفني الأردني مشبع بالكلمات التي لا تخلو من الوعيد والتهديد بطقطقة العظام وقطع الأيادي وفقء العيون وكما في الأغاني يزخر التراث الشعبي بالصور والقصص والمقاطع الأكثر وحشية مما يرد في الأغاني والأشعار . في الاهازيج الشعبية مقاطع تقول ” خلي المدلل لامه…لأذبحه واشرب دمه” فيما يبدو اكثر دموية ووحشية من ” طقطقة العظام ” او “قلع العيون” الواردة في كلمات الأغاني التي نحرص على بثها في معظم المناسبات.
في حادث اعتبر الأغرب والأكثر وحشية اعتدى شخص في محافظة جرش على زوجته اثناء نومها بأدوات حادة ففقأ عينيها وتسبب بفقدان بصرها وبصورة قد لا تمكنها من استعادته . الحادثة التي أثارت الشارع الأردني وحركت القوى الاجتماعية والحقوقية والمنظمات النسوية تشكل الاولى من نوعها من حيث نوعية الاعتداء وصلة المعتدي واستهداف العيون ونوعية الادوات واغراض وظروف وآثار الحادثة ووقعها على كل من الاسرة والمجتمع المحلي والمجتمع بشكل عام.
استهداف الجاني لعيون الضحية يثير تساؤلات متعددة حول ما دار في ذهن الفاعل وهو يتهيأ لارتكاب فعلته وما الذي دفع به لفعل الاعتداء واختيار العيون. هل أراد الجاني ان يعذب الضحية وشل حيويتها وحركتها؟ ام انه فعل عشوائي يعبر عن الغضب واليأس ؟ايا كانت الدوافع والاسباب فإن ذلك لا يقلل من بشاعة الفعل ووحشيته فقد اعتدى على سلامة وأمن إنسان آخر وألحق الاذى البدني والنفسي بها وأطفالها واسرتها ومشاعر المجتمع ومنسوب الاحساس بالأمن والسلامة لكل من سمع بالفعل او لمس آثاره.
كما في كلمات الاغاني كنا وما نزال نسمع في لغة الشجار العابرة تهديدات على شكل “بدعس ببطنك” او “بكسر راسك” او “بمزع رقبتك” او “بقلع عينك”. لكننا لم نر يوما أحدا يمزع رقبة احد ولم نلمح من يمسح الأرض بآخر وقليلة هي الحالات التي شهدنا فيها من يترفش في بطن غيره لكننا شهدنا وتفاعلنا مع أول حالة قلع للعيون.
لكي لا تصبح التهديدات ومضامين الكوبليهات لأغانينا الشعبية وما نقوله في مشاجراتنا الصغيرة واقعا لا بد من التوسع في خدمات الرعاية والارشاد والاسعاف المجتمعي.. في أحيائنا نحتاج الى عاملات خدمة اجتماعية يتعرفن على حياة الأسر ومعاناة الاعضاء وتقديم الرعاية والاسناد. فالناس مأزومون ويائسون يقومون بأفعال يائسة.. على الحكومات التي تستوفي الرسوم عن كل شيء ألا تترك الناس يواجهون مآسيهم وحدهم.
الغد - الثلاثاء 19-11-2019