ماذا حَدَثَ في ميزانيّة 2019؟
لم تكن 2019 سنة ماليّة عاديّة في الاقتصاد الوطنيّ، فالكثير من التقدّيرات في ميزانيّة هذا العام الذي قارب على الانتهاء خالفت بشكل واضح الواقع الفعليّ مما تتحقق، وحتى نفهم جيداً موازنة 2020 التي أرسلتها الحُكومة مؤخرا لِمجلس النوّاب، علينا في البداية أن ندقق ونحلّل جيداً الأحداث الماليّة في موازنة 2019.
العجز الماليّ المُقدّر في عام 2019 بحوالي 646 مليون دينار، تضاعف مع إعادة التقدير إلى ما يقارب الـ1,215 مليار دينار، وهو الأعلى منذ ميزانيّة 2012، وهذا أمر خطير جداً بالقياس الماليّ في الميزانيّات، وهو خالف كُلّ التوقعات، لكن يبقى السؤال لماذا ارتفع إلى هذا النحو الكبير خلال هذا العام؟
الحُكومة كانت قد توقعت في عام 2019 أن يكون النُمُوّ بحدود الـ2,3 بالمئة للناتج المحليّ الإجماليّ، لكن الحقيقة انه كان اقل من ذلك بكثير، وأن النُمُوّ حتى الربع الثالث لم يتجاوز الـ1,8 بالمئة، وهذا يعني ببساطة أن إيرادات الحُكومة المتحصّلة من ارتفاع النُمُوّ التقديريّ لم تتحصل بالشكل المستهدف والتي لا تقل عن 200 مليون دينار بحدها الأدنى.
والحُكومة التي كانت قد طبقت إجراءات حازمة تجاه عمليات التهريب خاصة لِسلعة الدخان، وتوقعاتها حينها بتحصيل إضافيّ في عائداته بحوالي 300 مليون دينار، كانت النكسة في هذا الموضوع أن المُقدّر لم يتحقق، لا بل تراجعت حتى إيرادات الخزينة من الدخان بما يقارب الـ130 مليون دينار، وكان النزيف كبيراً في النصف الأول من العام الجاريّ، قبل أن يُعدّل الميزان نسبيّاً في النصف الثانيّ.
ولا ننسى أن تراجع المستوردات هو الآخر ساهم جليّاً في تراجع تحصيلات الخزينة الضريبيّة من هذا البند والذي لا تقل قيمة الهبوط بحوالي 200 مليون دينار هي الأخرى.
وإذا ما عَدنا لبند الإيرادات المحليّة سنجد أن نسبة الفرق بين المُقدّر والفعليّ بلغت 10,4 بالمئة، وهذا ناتج عن تراجع الإيرادات الضريبيّة بواقع 475 مليون دينار أو ما نسبته 17,8 بالمئة ما بين المُقدّر والفعليّ.
التراجع في بند الإيرادات الضريبيّة بهذا النحو سببه هبوط إيرادات ضريبة الدخل بواقع 128 مليون دينار، نتيجة التطبيق الجديد لقانون الضريبة وترجع الأوضاع الاقتصاديّة بشكل عام.
أما إيرادات ضريبة المبيعات التي خالفت حقيقتها عن المُقدّر بواقع 245 مليون دينار، وهذا يعود أساساً لتباطؤ الاقتصاد وتراجع النُمُوّ وهبوط المُستوردات.
إضافة إلى ذلك تراجع إيرادات الخزينة من الجمارك والعقار بواقع 82 و20 مليون دينار على التوالي، ناهيك عن هبوط الإيرادات غير الضريبيّة بمقدار 514 مليون دينار، لنفس الأسباب السابقة.
أما النفقات العامة فقد ارتفعت بمقدار 217 مليون دينار، ناتج أساساً عن المعالجات الطبيّة التي تضاعفت إلى ما يقارب الـ300 مليون دينار في هذا العام، إضافة إلى ارتفاع كُلّف دعم الأعلاف وتغيرات أسعاره العالميّة.
البند الوحيد في ميزانية 2019 والذي خالف المتحقّق منه المُقدّر باتجاه إيجابيّ هو بند المنح الخارجيّة التي كانت قُدّرت بـ 600 مليون دينار، لترتفع لـ804 ملايين دينار، مما يدلّل على الدور الحاسم للمساعدات الخارجيّة في استقرار الوضع الماليّ وعدم تفاقمه.
المؤشرات السابقة تجيب بشكل واضح لماذا ارتفع العجز الماليّ بهذا الشكل السلبيّ في ميزانية 2019، وسيكون لنا وقفة تحليليّة حول مؤشرات موازنة 2020.
الدستور