ما قل ودل عن سبب التصعيد في ادلب
لا يمكن قراءة ما يجري في ادلب على انه تصعيد عسكري عبثي بقدر ما هو تكتيك لتحقيق اهداف استراتيجية معروفة .
لقد جاء هذا التصعيد عقب التطورات الاخيرة " داخليا " التي وقعت في مناطق شرق الفرات ، عقب تقدم المعارضة المدعومة من انقرة ، و" خارجيا " بسبب التطورات في ليبيا ، وخاصة دخول الاتراك على الخط وابرامهم اتفاقات مع حكومة السراج من ضمنها تقديم المساعدات العسكرية المختلفة وارسال الجيش التركي الرسمي ليقاتل في طرابلس بعد موافقة البرلمان المرتقبة مما يشكل تهديدا للاهداف الروسية هناك .
وللتذكير ، فإن انتقاد اردوجان الحاد وما اطلق عليه " مرتزقة الشركات الروس " الذين يقاتلون مع قوات حفتر ، يضاف اليه الاتفاقية المذكورة ، كل ذلك كان بوابة التصعيد الروسي الذي جاء عنيفا بعمليات قصف مكثفة ضد المدنيين السوريين ، وتخلله تصريحات رسمية صادرة عن وزارة الخارجية اولا ، ومن ثم الكرملين ، تحدثت عن " ايجاد حل سياسي في ليبيا بعيدا عن التدخلات الخارجية " .
إذن : فإن الروس الذين سيزور رئيسهم انقرة نهاية الاسبوع الاول من العام الجديد ، بدأوا القصف ليس لطرد احرار الشام كما جرت عليه العادة ، بل لاحراج الاتراك والقول بأن اي تطورات في ليبيا ستنعكس في سوريا وبالقرب من الخاصرة التركية الرخوة المحاذية لمناطق ما يعرف بـ" درع الفرات " و" غصن الزيون " ، أما الهدف الثاني فيتمثل في الحل الذي ترغب موسكو في فرضه على سوريا ، ولا يغيب عن البال هنا اجتماعات " الدستور" واتفاق " استانا " الذي الاتراك والروس والايرانيون .
هذه هي القضية باختصار إذا تعلق الامر بالحليفين اللدودين ، أما إذا اردنا استكمال المشهد الدرامي فإن بقية اللاعبين وهم كل العواصم العالمية الفاعلة ، فإنهم لن يسمحوا بتغييبهم عن جميع المشاهد الساخنة سواء شرق المتوسط أو جنوبه ، وإذا تمعنت في السلوك التركي في مناطق "درع الفرات " ، والروسي في ادلب والامريكي في حقول النفط والايراني في دمشق والساحل ، و الاسرائيلي في البوكمال وهذه الصحوة الاوروبية الجمعية تجاه ليبيا فإنك تقف عند حقيقة الصراع الحقيقي واسبابه ومراميه ، ولن تصدمك حينها حقيقة ان سوريا دخلت المشرحة منذ زمن ويتم الصراع على البقايا ، فكيف إن تعلق الامر بليبيا " الطازجة " والتي تقول آخر المعطيات إن لديها حقل غاز ضخما بمئات المليارات من الاطنان ، وهنا عليك ان تتامل ماذا يعني ذلك بالنسبة لمصالح الدول المطلة على المتوسط وعلى الاخص الاوروبيين ، أما اذا قال قائل بأنه لا حدود لروسيا على المتوسط ، فإنا نذكره ليس فقط بـ " حميميم " التي جعلت الروس بلدا متوسطيا ، بل بكونهم مزودي الغاز الرئيسيين لاوروبا ، كما وإننا نذكره ايضا بقاعدة ايران في اللاذقية .
لا شيء جديدا في الهجمة المسعورة الاخيرة على ادلب التي شردت مئات الآلاف من المدنيين العزل باتجاه مناطق شرق الفرات وباتجاه الشمال في هذه الظروف الجوية القاسية : فالعالم الذي فقد انسانيته وضميره يحك كل من دوله جلده بظفره ، أما الأطفال ، أما المدنيون ، اما الشيوخ والمرضى فليسوا سوى ارقام ولكن " وهمية " في معادلة الضعف والقوة والعدالة المنتحرة .
جى بي سي نيوز - الاحد 29-12-2019