هكذا استغلت ايران مقتل سليماني

رغم ان مقتل قاسم سليماني يعتبر ضربة قاسية لايران وميليشياتها في المنطقة ، وبغض النظر عن طبيعة الرد الايراني المرتقب ، إلا ان الثابت هو أن هذه الضربة كانت قاصمة للثورة العراقية وطموحاتها وتسويقا مهما لهذه الدولة الصفوية المارقة .

ففي نفس يوم العملية الامريكية ضد سليماني بالقرب من مطار بغداد ، خرج المتحدث باسم السيستاني في خطبة الجمعة ليؤكد بأن ما قامت به الولايات المتحدة هو خرق للسيادة العراقية ، مبديا اسفه على مقتل الجنرال ، ومن جهة اخرى ، تم الطلب من البرلمان العراقي تحديد النواب لمواقفهم من الوجود الامريكي في العراق تحت طائلة نشر اسم كل نائب يعارض طرد القوات الامريكية من هذا البلد ، وتبع ذلك كله استئساد ميليشيا الحشد بعد ان ظهرت بمظهر العدو اللدود لامريكا والايحاء بانها مستهدفة ، مما يشي باعادة تلميعها رغم مجازرها بحق المتظاهرين وهذا الامر ترافق مع اعلان مختلف القوى العراقية ادانتها للعملية الامريكية لدرجة وصلت بمقتدى الصدر الطلب من انصاره احياء " جيش المهدي " .

يتضح مما سبق ان استغلال ايران لمقتل سليماني جاء ذكيا لدرجة كبيرة حققت منه عدة اهداف كان ابرزها إخماد الثورة العراقية " ولو الى حين " مرورا بتلميع الحشد الشعبي الذي كان هدفا للثورة كما اشرنا ، وتوحيد اغلبية القوى الشيعية ( تجلى ذلك في تشييع سليماني في العراق قبل قم وكرمان واستغلال ذلك طائفيا ) وكذلك استغلال ايران للمرجعية للدفع باتجاه ادانة الاغتيال والتعاطف معها يضاف اليه توظيف حكومة تصريف الاعمال باتجاه الاهداف الايرانية ( الحكومة اعلنت الجمعة الحداد ثلاثة ايام على مقتل سليماني وعبد المهدي شارك في التشييع ) ، ولا تنتهي قائمة استغلال ايران للحدث بتسويغ اي خطوات عسكرية لميليشيا الحشد ضد القواعد الامريكية في العراق حتى ولو تحول العراق لساحة صراع دموي بين الطرفين .

كما أنه لا ينبغي ان يغيب عن المراقب الحصيف ، أن ايران استغلت الاغتيال ايضا لتحقيق اهداف داخلية منها : استجلاب التعاطف الشعبي وبالتالي ترويج اخماد اي انتفاضة تحت طائلة الخيانة ، الأمر الذي ينتج عنه تطويع الشعب الايراني لتحمل الضائقة الاقتصادية " من اجل مصالح ايران العليا " .

وكذلك ، فإن استغلال النظام لحادثة الاغتيال يمتد خارجيا أيضا ، ويتجلى بالضغط في مسألة الملف النووي ومحاولة سحب روسيا والصين باتجاه الموقف الايراني انطلاقا من التهديد الواقع على امدادات النفط والاقتصاد العالمي الامر الذي ينعكس سلبا على هذين البلدين وخاصة الصين ومصالحها الاستراتيجية .

وبغض النظر عن كل هذه الاهداف الايرانية التي تحاول تحقيقها مستغلة قتل سليماني ، إلا ان الخاسر الوحيد من كل هذا الذي جرى ويجري هو العراق ، وبالذات الثورة العراقية التي باتت في وضع ضعيف لا تحسد عليه .

ما يجري للثورة العراقية الآن ، سنشاهده يحدث للثورة اللبنانية في حال التصعيد على جبهة اسرائيل او في الداخل ، وسيمتد انعكاسه حتى على الساحة اليمنية في " بعض الوجوه " وكأن هذه الضربة ، على اهميتها ، كانت هدية من السماء للايرانيين واذيالهم ، دون ان ننسى بأن ثورات الشعوب تشتعل وتخبو ولكن انتصارها حتمي في النهاية .

رب ضارة نافعة ، هذا هو لسان حال ايران الآن ، ذلك البلد الذي يقوده رجال مشهود لهم بالخبث والدهاء ، ولكن : أيا كان الأمر ، فإن هذه الضربة - بذاتها - مرغت انف ايران بالتراب مهما كانت طبيعة الرد وحجم استفادة النظام منها ، والايام القادمة حبلى بالمفاجآت ، فلننتظر وحينها لكل مقام مقال .

جى بي سي نيوز - الاحد 5-1-2019