هل تقع الحرب؟
حسب الردّ الايراني على الوساطة القطرية فالردّ اتخذ وبات قطعيا ولا رجعة فيه و”قضي الأمر الذي فيه تستفتيان” حسب ما قال الجنرال نقدي من قيادات الحرس الثوري للوسيط القطري. ولا ندري اذا كان قد تم لفت انتباهه ان الطائرات المسيرة انطلقت من قاعدة العديد في قطر. ما هو الردّ بالضبط؟ الحديث موارب جدا فحسب الجنرال “لا يمكن لأحد أن يتحكم فيه حيث ستتحرك أطراف عديدة من عدة مناطق في العالم الاسلامي والقيادات التي تعمل هناك ستقوم بالردّ على الولايات المتحدة”، أي ان حلفاء طهران مثل الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وميليشيات في سورية والحوثيين في اليمن ورجال المخابرات الايرانية في اي مكان سيقومون بأعمال من النوع الارهابي الذي لا يتحمل احد مسؤولية علنية عنه.
لكن الضربة محرجة جدا لإيران لدرجة انها قد تبحث ضربة عسكرية علنية محددة لإنقاذ ماء الوجه. هذا الخيار سيخضع لتمحيص شديد فضربة مباشرة لأهداف أميركية مثل قصف سفن أميركية أو حاملة طائرات في الخليج أو قاعدة عسكرية مثل قاعدة العديد سيجلب ردا مباشرا بقصف اميركي لأهداف داخل ايران وهو ما لا تستطيع ايران ان تسكت عليه وبذلك يتم الذهاب الى حرب مفتوحة لا تريدها ايران ولا الولايات المتحدة ولعل هذا فحوى الرسائل الأميركية التي تلقتها طهران.
الوعيد والتهديد الايراني حتى لو أعطي صفات مدوية مثل الردّ المزلزل وملء الساحات بجثث الأميركان، فهو بالتدقيق جيدا لن يعني ان طهران ستقوم بأي عمل مباشر تتحمل مسؤوليته بل ستدعم عمليات مجهولة المصدر تؤذي الأميركان دون ان تعطيهم الحجة لضربها مباشرة، بل من غير المتوقع ان تهاجم القوى المرتبطة بإيران صراحة ومباشرة اهدافا أميركية ربما باستثناء الحشد الشعبي الذي قتل الأميركان الرجل الثاني فيه فهو قد يثأر مباشرة بمهاجمة اهداف اميركية في العراق وهذا سيكون له تداعيات داخل العراق ابرزها قطع مسار الانتفاضة الشعبية العظيمة التي دفعت الثمن مئات الشهداء الذين بطش بهم الحشد والميليشيات الموالية لإيران وبدأت تحقق مكتسبات محددة ابتداء من استقالة الحكومة والهيئة العليا للانتخابات وتغيير قانون الانتخابات وربما تغييرات دستورية، هذا المسار سينكفئ تحت ضغط المواجهة بين الحشد ومن خلفه القوى السياسية الشيعية التي بدأت المطالبة برحيل الأميركان نهائيا من العراق بينما – ويا للمفارقة – تعارض القوى السنية الى جانب القوى الكردية هذا الطلب فتكون التحالفات قد انقلبت رأسا على عقب. وقد عرض أمس على البرلمان قانون اخراج القوات الأميركية من العراق وهددت كتائب حزب الله الكتل البرلمانية التي تعارض هذا القانون بمنعها من دخول بغداد. المشهد الداخلي يذهب الى تموضع مختلف أكثر تعقيدا واستعصاء وتكريسا للانقسام وللنفوذ الايراني الذي كانت الانتفاضة الشعبية في المناطق الشيعية قد بدأت بشجاعة منقطعة النظير الثورة عليه وتقترب من الاطاحة به.
ورغم ان ترامب يزهو بنجاح فني واستخباري قاطع بهذه الضربة الجريئة والناجحة مثل لكمة على أنف القيادة الايرانية تعزز رصيده ورسالته للداخل والخارج كرجل يجب خشيته إذ لا يتوانى عن استخدام القدرات المتوفرة عنده، فموت عسكري مسؤول ليست بالخسارة الخطيرة لإيران ولا تعني شيئا بالنسبة للموازين الجيواستراتيجية في المنطقة. وقد لاقت الضربة معارضة ونقدا عنيفا في الولايات المتحدة من الديمقراطيين وخبراء سياسيين لكن الحكم النهائي على ضربة ترامب ستقرره التداعيات اللاحقة ولياقة الأداء الإيراني في تجنب الحرب وتحصيل تعويض سياسي بدل الثأر العسكري.
الغد - الاثنين 6-1-2020