العرب وإيران.. جيران!
صورتان تلخصان المشهد . المسيح يعانق ترمب في و اشنطن ، والحسين يعانق سليماني في طهران . ولو وضعوا خلفية لصورة ترمب لكانت صورة بوش الابن يعلن بعد ساعة من تفجيرات البرجين في نيويورك في الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001 حين صرخ «انها حرب صليبية».
حينها أثار هذا التعبير الذي صدر عن رئيس دولة علمانية ديمقراطية هي الاقوى في العالم ضجة اميركية وعالمية ، لكن سارعت وسائل الاعلام الأميركية لتخفيف ما وصفته «زلة لسان الرئيس» وقالت إنه لم يعنِ حرباً صليبية، وإنّما «حملة» معينة في سبيل خير البشرية». لكن «الزلة» لم تزل حتى اليوم مثار تساؤل خاصة ان ّ بعض المواقع الإلكترونية العالمية، ما زالت تطلق عليها مصطلح «الحملة الصليبية العاشرة» التي انطلقت هذه المرة من واشنطن.
بوش كان ينطلق في سياساته من منطلق الصهيومسيحية ومنها حربه على العراق في 2003 . فقد كشف الصحفي الفرنسي كلود موريس، مدير تحرير الأسبوعية الأكثر رواجا «جورنال دي ديمانش»، في كتابه «لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه» أن الرئيس جاك شيراك شعر بالفزع عندما حدثه بوش عن يأجوج ومأجوج لتبرير الحرب على العراق فبادر باستدعاء مجموعة من أقرب مستشاريه لجمع كل المعلومات المتاحة عن يأجوج ومأجوج الذين تحدث عنهما بوش في المكالمة الهاتفية.
فلم يصدق شيراك أذنه عندما اتصل به بوش قبل الحرب على العراق لاقناعه بالتراجع عن معارضته الشرسة للحرب مؤكدا له أن هذه الحرب تستهدف القضاء على يأجوج ومأجوج اللذين يعملان على تشكيل جيش اسلامي من المتطرفين في الشرق الأوسط لتدمير اسرائيل والغرب الذي يساندها معتبرا ان هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي استهدفت نيويورك وواشنطن هي بداية لهذه الحرب المدمرة.
القصة بدأت مع ثورة الخميني على الشاه عام 1979 وما عرف بسياسة كيسنجر «الاحتواء المزدوج» لأقوى قوتين اسلاميتين في حينه، العراق وايران .فأوقعاهما بحرب الثمان سنوات التي استنزفت قوة البلدين ثم ورطا العراق بغزو الكويت ليحاصروه ويصطادوه و..يحتلوه . وكطُعم سلموه لايران .
طهران انطلت عليها الخديعة وصدقت أنها تسيطر على العراق . اليوم جاء الدور عليها . وما اغتيال الرجل الأقوى فيها قاسم سليماني الا شرارة الحرب على ايران. وهي ، اي الحرب، من أولويات ترمب لانجاح حملته الانتخابية ونتنياهو للهروب من ملفات الفساد .
فأميركا يقودها اليوم رئيس أكثر تهوراً وانصياعاً للصهاينة اليهود من بوش . وقد قدم للدولة اليهودية القدس و الجولان ولا مانع لديه من الأغوار أيضاً .وهو اكثر عداءً للمسلمين وأشد ايماناً بوجوب القضاء عليهم بدعوى الارهاب.
ترمب هاجم المسلمين اثناء وبعد حملته الانتخابية ومنع رعايا ست دول اسلامية من دخول الولايات المتحدة. وفي خطاب تنصيبه صرخ : « سوف نوحد العالم المتحضر ضد الارهاب الاسلامي الراديكالي الذي سوف نستأصله تماماً من على وجه الأرض..» . هي نفس صرخة بوش يوم 11 ايلول سبتمبر:» إنها حرب صليبية».
على ايران أن تستوعب الدرس وتدرك أن ما أعد للعراق قبل احتلاله يعد لها الآن، وأن تكف عن نزعة التوسع وتصدير الثورة والتباهي بالسيطرة على اربع عواصم عربية .وعلى العرب ان يدركوا انهم ليسوا بعيدين عن نار الحرب وان اميركا تتخلى عن اقرب حلفائها من اجل مصلحتها و مصلحة اسرائيل.
فبامكانك ان تغير الحلفاء لكن ليس بامكانك ان تغير الجغرافيا!
الدستور -