تاجر شاطر
حتى في اشدّ الازمات واكثرها خطورة وتعقيدا ودموية ،يقلب الرئيس الامريكي ترامب الاحداث الى بورصة للمال ،ويحوّل القضايا المشتعلة الى سوق مالي تسخيفا لمطالب مصيرية ،ترقى الى مستوى استقلال الاوطان والدول وهويتها ووجودها ،ومدى تأثير ونفوذ قادتها وشعوبها في ادارة وتوجيه شؤونها الداخلية .
المال هو المسيطر على التفكير الاستراتيجي لرئيس اقوى دولة في العالم ،ولا شك انه يفتعل الازمات والنزاعات في الشرق الاوسط تحديدا ، لابتزاز دول المنطقة وسلب الاموال منها ،فهو لا يؤمن بالمبادئ ولا الاتفاقيات وانما بالمصالح المالية ،بعيدا عن المصالح الاستراتيجية الاخرى التي تفكر بها وتعمل على تحقيقها الدول العظمى .
يأتي بثمن ويذهب بثمن ،احتلاله مدفوع الثمن وانسحابه كذلك ،بقاءه ايضا كذلك ومغادرته لا تختلف عن ذات النهج، كل من يتعامل معه يجب ان يدفع ،وفي النموذج العراقي ،لم يكتف السيد ترامب بما نهبه من خيرات العراق نفطا وغازا ،وغير ذلك من موارد لا تعد ولا تحصى ،طوال السنوات الماضية ،بل ويطالب العراقيين بدفع ثمن قواعد عسكرية يستخدمها جنوده في ارض العراق ،قبل ان يغادروها، هذا يعني انه على استعداد للانسحاب والمغادرة في اي وقت ،وان اسباب وجوده هناك تحقيق مصالح مالية فقط ،ولا توجد اية اهداف اخرى كما يدعي ،فلا حماية العراق ارضا وشعبا واردة في قاموسه العملي ،ولا يوجد لديه ادني حرص على احترام سيادة شعب وارض العراق ،ولا اي اهتمام بعلاقات قوية استراتيجية او تحالف بين الولايات المتحدة والعراق ،وان كل طموحه واهدافه وتخطيطه الحصول على المال .
هذه السابقة التاريخية والاستراتيجية في علاقات الولايات المتحدة مع الدول الاخرى ،تعني ان جميع القواعد العسكرية الامريكية في دول العالم التي تضمن التواجد العسكري الامريكي في تلك الدول ،يمكن ان تكون قابلة للبيع ،او معروضة للبيع ،تماما مثلما يدفع التاجر او المستثمر بدل الاخلاء لتاجر آخر،الى هذا الحد وصلت الاستهانة بالعلاقات والتحالفات بين الدول.
كما تعني ان مغادرة القوات الامريكية للاراضي السورية ليس بالامر المستحيل ،ومن السهولة بمكان ان تقوم دولة معينة ،وربما ايران ، بشراء القواعد العسكرية الامريكية هناك والتموضع مكان الجيش الامريكي ،لكن الاسعار سوف تكون اعلى بكثير بسبب السيطرة الكاملة على النفط والغاز السوريين في تلك المنطقة ،وقد ينسحب هذا النموذج عهلى القواعد الامريكية في كوريا الجنوبية واليابان وافغانستان ودول اخرى ، على مبدأ ادفع واستلم.
هذه رسالة واضحة للجميع بأن اميريكا لا يمكن ان تكون حليفا صادقا وموثوقا لغير الكيان الغاصب لفلسطين،وهي على استعداد ان تبيع حلفاءها بأي ثمن وفي اي وقت ،وانها حليف وهمي مؤقت والتحالف معها مرتبط بالمصالح بشكل مباشر،ولا يعنيها اي شيء غير ذلك.
الدستور -