الرئيس..ماسح الأحذية !
من الزعماء من يتخذ من عظام شعبه كرسياً لحكمه، ومنهم، كما لويس الرابع عشر ملك فرنسا، من يقول « انا الدولة والدولة أنا»، لا يهمه الشعب ولا الدولة كما ابنه لويس الخامس عشر الذي قال « ومن بعدي الطوفان». وكم تكررت شخصية اللويسين في زمننا، لكن في المقابل ثمة من ضحى بنفسه من اجل شعبه ومن بنى دولة من لا شيء ومن أنقذ امته من حافة الهاوية.
في العام 2003 وبعد انتخابه رئيساً للبرازيل فاجأ الرئيس لولا داسيلفا الجماهير فى خطابه الاول بعد فوزه الساحق على المنصة يحمل حذاء وقال : وصلنى اليوم هذا الحذاء هدية من عمدة مدينة فراتكو. اعرف انه يقصد من تلك الهدية ان يذكرنى انني ربما مسحت له يوما حذاءه او حذاء والده..لأنني ايامها كنت اعمل ماسح أحذية وانا طفل فقير وهذا شرف لبلدنا ان يصبح ماسح الاحذية رئيسا للدولة.
وللقصة بداية، في الثمانينيات مرت البرازيل بأزمة إقتصادية طاحنة فتوجهت كما معظم دول العالم الثالث للاقتراض من صندوق النقد الدولي معتقدة أنه الحل لأزمتها الاقتصادية، وطبعا طبقت حزمة الشروط المجحفة؛ ما أدى إلى تسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين والغاء الدعم وانهار الاقتصاد البرازيلي ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية.
ورغم استجابة البرازيل لكل الشروط تفاقمت الأزمة أكثر وأكثر وأصبح 1 % فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي.. وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر؛ الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار، معتقدين أنه الطريق للخروج من الأزمة... فتدهورت الأمور أكثر وأصبحت البرازيل الدولة الأكثر فسادا وطردا للمهاجرين والأكبر فى معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون فى العالم (الدين العام تضاعف 9 مرات فى 12 سنة) حتى هدد صندوق النقد بإعلان إفلاس البرازيل لو لم تسدد فوائد القروض ورفض اقراضها أي مبلغ فى نهاية 2002. وانهارت العملة (الدولار وصل الى 11 الف كروزيرو).
كانت الدولة تحتضر حتى جاء عام 2003 وانتخب البرازيليون رئيسهم «لولا دا سيلفا» الذي ولد فقيراً وعمل ماسح أحذية وعانى من الجوع وظلم الاعتقال. خشي البرازيليون من تسلمه حكم البلاد. رجال الأعمال قالوا سوف يأخذ أموالنا ويؤمم ممتلكاتنا، والفقراء قالوا سوف يسرقنا لكي يعوض الحرمان، لكنه لم يفعل ذلك بل «مسح» اسم البرازيل من قائمة الدول الفقيرة.
اعتمد دا سيلفا مبدأً بسيطاً لخصه في قوله : التقشف ليس أن أفقر الجميع بل أن تستغني الدولة عن كثير من الرفاهيات لدعم الفقراء.
اعتمد على أهل بلده. وضع بنداً في الموازنة العامة للدولة اسماه (الإعانات الاجتماعية المباشرة) وقيمته 0.5 % من الناتج القومي للدولة يصرف بصورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة، أي استبدل الدعم العيني بدعم نقدي، واصبح هذا الدعم وقيمته 735 دولارا يدفع لـ 11 مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلى. السؤال من أين هذا الدعم والبلد على حافة الافلاس ؟!
لقد رفع الضرائب على جميع رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب، ما عدا المدعومين ببرنامج الإعانات. رجال الأعمال كانوا سعداء؛ لأنه بمقابل رفع الضرائب منحهم تسهيلات كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم ومنح الاراضي مجانا وتسهيل التراخيص واعطاء قروض بفوائد صغيرة ومساعدتهم في فتح اسواق جديدة.
أما الفقراء فان دخلهم سوف يرتفع وتزيد عملية شراء منتجات رجال الاعمال فتضاعف حجم مبيعاتهم، وبذلك لم يشعروا أنها جباية، بل يدفعون ضرائب مقابل تسهيلات اصبحوا يكسبون منها أكثر.
بعد 3 سنوات فقط عاد مليونا مهاجر برازيلي وجاء معهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل.وفي غضون أربع سنوات سدد كل مديونية صندوق النقد، بل إن الصندوق اقترض من البرازيل 14 مليار دولار أثناء الأزمة العالمية فى 2008، هو الصندوق نفسه الذي كان يريد أن يشهر افلاس البرازيل فى 2002 ورفض اقراضها لتسدد فوائد القروض.
كيف صنع دا سيلفا المعجزة ؟
لقد ركز على أربعة قطاعات : الصناعة، التعدين، الزراعة والتعليم. البرازيل صارت سادس أغنى دولة في العالم فى آخر عام لحكمه، وأصبحت تصنع الطائرات.
بعد انتهاء ولايتي حكم لولا فى 2011 وبعد كل هذة الانجازات طلب منه الشعب ان يستمر ويعدلوا الدستور ليتولى الحكم فترة ثالثة لكنه رفض بشدة وقال كلمته الشهيرة «البرازيل ستنجب مليون لولا ولكنها تملك دستورا واحدا « وترك الحكم.
الدستور