ملخص ندوة مركز الجزيرة للدراسات
المدينة نيوز: استطاع الإعلام الجديد التأثير في أنماط وأساليب التعامل مع قضايا واهتمامات الرأي العام، متخطيا ثنائية المرسل والمتلقي، إلى محتوى ينقله الجميع إلى الجميع دون وسيط، إلا أنه لم يستطع بعد تجاوز سلطة الإعلام التقليدية التي أعادت تموقعها، لتنافس في معركة صناعة الوعي وإن استدعى الأمر اتباع مسالك تضليلية ممنهجة.
هذا ما خلصت إليه ندوة مركز الجزيرة للدراسات، ضمن فعاليات معرض الدوحة الدولي للكتاب، بعنوان "دور الإعلام في تشكيل التمثلات واصطناع الواقع"، وفيها طرحت تساؤلات تتعلق بأدوار الإعلام قديما وحديثا، ومحددات الموضوعية في المؤسسات الإعلامية ودورها في تحليل واقع يقرأ بعينها من زوايا مختلفة.
في مداخلته، استذكر أستاذ العلاقات العامة والاتصال الجماهيري بجامعة قطر محمد قيراط بعض الأدوار التي تقوم بها وسائل الإعلام التقليدية في ربط المشاهد بأيديولوجيا تخدم مصالحها وتوجهاتها، وفي الحالة العربية ضرب مثالا بأحداث سوريا التي تتباين بشأنها التغطية الإعلامية ولا تزال، حتى يخيل للجمهور أنه أمام أكثر من ساحة حرب وليست ساحة واحدة.
سرديات جديدة
وعلى الرغم من التحديات القانونية والعراقيل وتشديد الرقابة، فإن الإعلام الجديد وطّن نفسه مؤثرا ومنافسا لسلطة إعلامية تقليدية لا تقبل أن يحول بينها وبين الرأي العام أي وسيط، في امتداد لتقليد قديم يعود إلى القرن الثامن عشر، وهو ما دفعها لصياغة أدوات مغايرة تمكنها من تطوير سرديات جديدة قادرة على نقل الواقع من زاويتها كما تراه، بغض النظر عن شرعية مدخلات تلك السرديات.
وهنا أبرز أستاذ الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا نواف التميمي، أن نقاشات الفضاء العام أفلتت فعلا من يد صانع القرار خاصة في الحالة العربية، وذلك بعدما كانت حكرا على علية القوم وداخل النوادي المغلقة. فمنذ أولى موجات الربيع العربي، لاحظنا كيف نهجت السلطة في أكثر من بلد سلوكيات غير تقليدية من أجل استعادة زمام المبادرة، ومن بينها صناعة الجيوش الإلكترونية (الذباب الإلكتروني)، والدفع بالمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي إلى معركة صناعة الوعي واستقطابهم لتوجيه الرأي العام.
وإذا كان قدر الرأي العام أن يستسلم لقراءة أحادية للواقع سابقا، فإن الديناميات الاجتماعية أصبحت اليوم أكثر تمردا، وبالتالي يتعذر مواجهة ما يطوره الإعلام البديل من وسائل تحد من فاعلية تلك السلوكيات.
الأخبار الكاذبة
الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي، انطلق من إحدى تلك السلوكيات التي تنتهجها السلطة، وهي ترويج الشائعات وتزييف الأخبار للسيطرة على الوعي، وقال إن السلطة ترى أن من مصلحتها أن تتماهى في فضاء يصعب التمييز فيه بين المرسل والمتلقي، وبين الفاعل الحقيقي في العالم الافتراضي، حتى تقفز على حالة النفور الجماهيري التي باتت تعاني منها.
ورأى أن الأخبار الكاذبة هي امتداد عضوي للشائعات ونمط اجتماعي يهدف إلى الدعاية وخلط الحقائق، وهنا السلطة نجحت إلى حد ما، حيث أصبحت الأخبار الكاذبة التي تخص بعض القضايا والأخبار تبلغ درجة التصديق فعلا، ولا ينفع معها النفي أو التكذيب.
وفي عالم تتسارع فيه الأحداث والأخبار، زادت تحديات التحقق من الأخبار الكاذبة تعقيدا، وعلى الرغم من أن المؤسسات الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي الكبرى تبذل جهودا كبرى لتحديث آليات تدقيق المحتوى الإلكتروني والتحقق من الأخبار بشكل مستمر، فإن حجم الضخ يجعل حصيلة هذه الجهود ضئيلة.
وهنا رأى مكي أن آليات التحقق من الأخبار الزائفة والتصدي لها بوسائل حديثة أمر ممكن في الدول الديمقراطية، بحكم وجود مؤسسات تحترم قوانين تؤطر المؤسسات الإعلامية وتراقب مدى احترامها حقوق الرأي العام، أما في الحالة العربية فهذا متعذر أو مستحيل.
ظاهرة أخرى توجه لاستمالة الرأي العالم في الفضاء الإلكتروني، تتمثل فيما أسماه مكي بالأقلام المأجورة التي تتصدى لتحليل الواقع السياسي والاقتصادي وتحولات المجتمع، بوسائل دعائية بعيدة عن التشخيص الحقيقي للواقع والمتغيرات التي تعيشها المجتمعات.
اصطناع الواقع
هل نعيش فعلا في واقع مصطنع؟ سؤال سيظل معلقا دون إجابات، إلا أن الندوة خلصت إلى أن القوالب الإدراكية التي ينشرها الإعلام، وما تقوم به الآلات الإعلامية من ضخ هائل للمعلومات والأفكار والآراء التي تنفذ إلى عقل المشاهد والقارئ والمستمع، سواء بوسائل تقليدية أو جديدة، تفسر وتبرر وجود واقع مصطنع، وفيه تنتعش أنصاف الحقائق وتضعف القدرة على تمييز الحقيقة من الزيف.
إلا أن مثل هذه الظواهر قد تتساوى فيها الحالة العربية بالغربية أيضا، والتاريخ يحفظ كيف اشتغلت الآلات الإعلامية العالمية قبيل سقوط النظام في العراق، لبث أخبار كاذبة عن امتلاك العراق أسلحة فتاكة متطورة، كذريعة لغزو هذا البلد، ثم تبين في كتابات ومذكرات كثير من الفاعلين السياسيين وقتها أن الأمر لم يكن سوى تزييفا إعلاميا لواقع غير موجود، من أجل التأثير في الرأي العالمي وتحفيزه لقبول قرار الغزو.
المصدر : الجزيرة