الكابوس العربي
![الكابوس العربي الكابوس العربي](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/80200.jpg)
أن الأحداث الحالية التي تمر على الوطن العربي وبتفاصيلها الصادمة للجميع أدت إلى تشتت أنظار وأفكار الشعوب العربية ونخبها بين إحداث المناطق الساخنة لتشكل نوعا من الانشداد المتغير وتيرته وطبيعته مع كل خبر على شاشة التلفاز، هذه الأحداث وبعد مائة يوم من الغليان بدأت تعمل مؤخرا على تشكيل حالة من التوتر الشعبي على الصعيد العربي بعدما كانت تبشر بالأمل الذي بدأ يتحول إلى إحباط قد يكون مزمن بعد التعاطي مع الأحدث الجديدة وانتظار نتائجها التي أصحبت ضبابية على ما يبدو خاصة بعد ربطها بالقضايا القديمة كوحدة متكاملة.
إن المراقب للتصريحات الرسمية في الدول العربية والمتعاطي مع الشأن الشعبي يستطيع أن يرى بسهولة حالة متقدمة من الضياع لم يقف أثرها على الشعوب فقط بل وصل إلى القيادات الرسمية والنخب الفكرية في الوطن العربي التي انتقلت من أدوات ومنظومات فعالة أحيانا إلى أدوات مراقبة وعوامل ضياع وتضييع أيضا، وهنا علينا أن ننتقل زمنيا لما قبل ( ربيع الثورات العربية) لجرد الأحداث السابقة التي ألقت كواهلها علينا وجعلتنا مستقبلين للتغيرات لا محدثين لها وكذلك لمحاولة دراسة أسباب تهميش القضايا المزمنة لصالح الأحداث الجديدة.
إن القضايا المركزية التي كانت تهيمن على الوضع السياسي العام في الوطن العربي كانت تتمثل في القضية الفلسطينية بشقيها.. الأول الصهيوني رائدة (التشليط) للدول العربية والسلطة الفلسطينية والشق الثاني انفصال إمارة غزة عن الأم وبرعاية إيرانية، ثم تأتي قضية السلم الأهلي في لبنان الذي أصبح يعيش في حالة تأزيم مستمر نتيجة تغول حزب الله واقتراب موعد القرار الظني لكشف دور حزب الله في اغتيال الحريري، وكانت العراق أيضا قد شكلت قضية مركزية دائمة ومخيفة للوطن العربي حيث تم تجذير نظام الحكم للمالكي كوكيل مزدوج لإيران وأمريكا التي مكنتاه من خنق النخب العروبية والاسلامية السنية في كانتونات افتراضية خانقة لأية طموحات لهم ولصالح المشروع الفارسي، وكذلك أصبحت قضايا انقسام السودان وحرب الحوثيين في اليمن من القضايا التي تهدد المنطقة العربية بالتناقضات الرئيسية نتيجة تزاحم مراكز القوى الغريبة عن النسيج العربي لاستلام أجزاء من الكعكة العربية..
هذه القضايا المركزية كانت قد انتهت جميعها إلى طرق مسدودة وحتى إنصاف الحلول أغلقت في وجهنا تماما قبل (ربيع الثورات العربية) وأصبح علينا لزاما حينها الاتجاه للبحث عن وسائل فعالة لإنهاء هذه الملفات وبغض النظر عن قدراتنا حينها حيث لم يكن يكفي الاستمرار في النهج السلبي القديم للدول العربية لحل هذه القضايا التي كانت تضغط على الشرق الأوسط وعلى العالم بأسره.
إذا وبربط بسيط ببن هذه الأحداث المفصلية والأحداث التي استجدت والتي تمثلت ب(ربيع الثورات العربية) نجد أن هذا (الربيع) في نظرة أولية قد أدى إلى إقصاء كامل للقضايا المزمنة والانتقال إلى تشكيل قضايا جديدة مختلفة عن القضايا السابقة، وربما حل علينا ليقدم حلولا لقضايا هامة أيضا لم تكن ظاهرة بالصورة القوية كالقضايا المركزية ولكن.. علينا أن نبحث ربما قبل النتائج المطلوبة أو النتائج المتوقعة لربيع الثورات العربية عن التأثير المتبادل بين هذه (الثورات) وبين القضايا المركزية السابقة التي كانت ترهق الوطن العربي بشكل واضح المعالم نوعا ما.
ذلك يدفعنا للوقوف على مجريات القضايا المزمنة والقضايا المستحدثة علينا والبحث عن العوامل المشتركة في كل منهما ويدفعنا كذلك للانطلاق لحصر مسببات هذه القضايا العربية ومحركاتها على الساحة والتي يمكن وبكل بساطة بعد دراسة القضايا العراقية والفلسطينية واللبنانية ربطها بعاملين رئيسين أولهما العامل (الأمريكي الصهيوني الغربي) والعامل الثاني هو (الإيراني الشعوبي والطائفي) فجميع القضايا المركزية المزمنة كانت بفعل هذين العاملين وبتنسيق متجاذب ومتنافر أحيانا بينهما وحسب الحاجة الإعلامية المطلوبة لتسويق المداخيل والحجج لإحياء القضايا وإدامتها.
حينها لا بد لنا من البحث عن دور للمحورين الأمريكي والإيراني في القضايا المستجدة أو في نتائج ربيع الثورات الحالي واستقراء دورهما والبحث عن مصالحهما في إنشاء هذه القضايا أو حلها، وذلك من النتائج المتوفرة لغاية الآن وبصورة ضبابية عن أحداث مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا.. حيث نجد أن هذه الثورات قد تؤدي إلى إنشاء أنظمة عربية قوية بفعل تنظيف الساحات السياسية والاقتصادية من قطاع الطرق في هذه الساحات، وبالتأكيد هذه النتيجة الحتمية المفترضة.. ولكن هل تتشابه الثورات جميعها في نتائجها لغاية الآن..؟ وهنا علينا تذكر الثورة المندسة في البحرين التي انكشفت الأيادي الإيرانية في صناعتها والتي كانت تعمل على قلب كامل لعروبة وإسلام البحرين لصالح المشروع الفارسي الطائفي الكبير.
وكذلك علينا البحث في أن كانت هذه الثورات تعمل بالطريقة الصحيحة لإنتاج هذا التغيير..؟ وهل يسمح لها بالسير بالطريقة العلمية والعملية لانتاج حكومات قوية تعمل على تثبيت وضع التغييرات المقترحة المطلوبة؟
ولفهم أكثر للترابط بين هذه الثورات وراكبيها علينا أن ننظر إلى التحركات الدائرة والمتوازنة مع الثورات التي تمت وتتم وعلينا أن نضع في عين الاعتبار تحركات وتصريحات احمد نجاد وأرسل وزيره إلى القاهرة لفتح علاقات جديدة واستقطاب للقادة المستحدثين في مصر وبنفس الوقت الذي هاجم فيه المملكة العربية السعودية، وثم علينا أن نحاول أن نفهم سحب القوات الأمريكية لدورها في عملية اوديسا في ليبيا والغزل الأمريكي للنظام السوري والحديث بخجل معه عن الإصلاحات المطلوبة..
كل هذه التساؤلات والألغاز التي قد تطرح يمكن بسهولة استيعابها وإيجاد الإجابات التي قد تصدمنا ولكن تقنعنا حين ننظر ببعض الجدية لمخطط (برنارد لويس) كبير مستشاري الرئيس السابق بوش الأب والابن وصاحب اخطر مشروع في هذا القرن لتفتيت العالم العربي والإسلامي من باكستان إلى المغرب والذي نشرته وزارة الدفاع الأمريكية، وكذلك علينا الرجوع إلى تصريحات ضابط المخابرات البريطاني (ستيفن هوك) الذي كشف خلال تقرير استخباري خطير لبعض الصحف البريطانية ما يجري بالشرق الأوسط، حيث يذكر التقرير بأنه وعقب حادثة 11 سبتمبر تم التواصل بين الجهات العليا في إيران وأمريكا وقام بعدها وفد إيراني حكومي رفيع المستوى بالاجتماع مع (بوش) وبوجود (برنارد لويس) وتم خلال هذا الاجتماع طرح عرض التحالف وتبادل المصالح في منطقة الشرق الأوسط مع أمريكا حيث أكد القادة الإيرانيين انتفاء مصطلح ( الجهاد) من العقيدة التي تحكم إيران وتنحصر الأهداف الإيرانية العقائدية بانتظار (المهدي) وتهيئة الأمر له من خلال ضرب وإنهاء المعاقل العربية والاسلامية (الجهادية) على حد تعبير الرأي الإيراني، وقد ثبت هذا التعاون وطبق على الفور في أفغانستان والعراق ولبنان والعملية مستمرة لغاية الآن..
علينا الآن أن ننظر بكل الحذر والريبة على جميع التحركات الأمريكية والإيرانية كوحدة واحدة مكملة لبعضها البعض ومتوجهة لهدف واحد هو شرق أوسط جديد حيث تم رسم مهمتنا في هذا المخطط كشعوب عربية في لبس دور الريبوتات التي تتحرك بالريموت كنترول المصمم بازرار كتب على احدها (ثورة الشباب) وزر اخرى (حزب الله) والزر ثالث (ثورة الفيسبوك) والزر الرابع (الاسلام السياسي) والزر الخامس (الخلايا النائمة) بينما تجلس نخب مراكز الفكر الغربية الصهيونية تدق الانخاب مع ملالي الحرس الثوري الإيراني وهي تتسابق في لعبة (بلي ستبشن) لإنتاج ما يسمى .. الشرق الأوسط الجديد.