مصفاة معان.. أسئلة مشروعة
بداية، لا بد من التأكيد والترحيب في آن واحد بأي استثمار يأتي للمملكة، يُساهم بالنمو الاقتصادي، ويخلق فرص العمل للشباب الأردني، فهذا الأساس الذي يجب أن تتبناه السياسة الترويجية الاستثمارية في المملكة.
مشروع مصفاة معان الذي أُعلن عنه الأسبوع الماضي بشكل مفاجئ لم يسبقه أي مقدمات تقليدية حسب الأعراف التي نعرفها جيداً، حظي بتغطية إعلامية غير مسبوقة ، فالمؤتمر الصحفي المفاجئ الذي عقده صاحب المشروع الشيخ مشعل الجراح الصباح كان الحديث من الانطباع الأولي لوسائل الإعلام المختلفة اقرب ما يكون إلى تدشين فعلي لمشرع استراتيجي ضخم بقيمة استثمارية مُعلنة تبلغ 8 مليارات دولار ، ولكي نكون منصفين وواقعيين في آن واحد فإن المؤتمر الصحفي كان فيه من الغرابة ما أثار تساؤلات عدة خلاله وبعده من قبل المراقبين والمسؤولين حتى الحكوميين منهم الذين لم يحضروا المؤتمر الصحفي، فمثل هذا النوع من المؤتمرات الصحفية يكون عند الحصول على الموافقات الرسمية حسب الأصول والقوانين والأنظمة لإنشاء المشروع، وليس نتيجة موافقة مبدئية .
المؤتمر الصحفي خَلاَ من حضور أي مسؤول بالسفارة الكويتية رغم أن الداعي هو من الأسرة الحاكمة في دولة الكويت الشقيقة، وهذا بحد ذاته أمر مريب وغريب، فطاقم السفارة من أنشط ممثلي السفارات في البلاد خاصة في الشأن الاقتصادي، ولا أعتقد أن مثل هذا الحجم من الاستثمارات أو الشخصية التي دعت اليه يفوتهم المشاركة فيه.
ما تضمنه المؤتمر الصحفي من معلومات عن مشروع مصفاة معان ومجمع البتروكيماويات كانت معلومات ضئيلة ولا تتناسب مع حجم المشروع ، فكل ما قيل ان التمويل جاهز وأن الدراسات بدأ تنفيذها وأن المشروع سيبدأ إنتاجه الفعلي في العام 2024، والحقيقة أن أي مستثمر في هذا القطاع يعلم جيدا انه من سابع المستحيلات أن يتم الإنتاج لمشروع من مثل هذا النوع لو افترضنا أن أعمال الإنشاءات والبناء بدأت فعلا، فمثل هذا المشروع يحتاج بين (4-6) سنوات على اقل تقدير، ولا ننسى أن هناك مستلزمات ما قبل البناء قد يصل الوقت لإنجاز ذلك اربع أو خمس سنوات.
لم يكشف الشيخ الجراح في مؤتمره الصحفي مستلزمات إنشاء المشروع وهنا نقصد الدراسات التسويقية للمشروع وفرصه التصديرية في المنطقة التي تحيط بها المصافي من كل صوب وحدب، والدراسات الفنية والتصاميم للمشروع، ولم يتحدث أبداً عن اتصالاته مع الجهات التي تمتلك مثل هذه التكنولوجيا والتي هي شركات عالمية محدودة العدد، ولا أيضا عن الجهات الممولة لمثل هذا المشروع والذي في اعتقادي البسيط يحتاج إلى تجمعات مالية كبرى لدعم التمويل، ولم يعرف أيضاً دراسات الجدوى لمشروع مجمع البتروكيماويات المعتمد على نفط مستورد وعلى ارض برية وليست بحرية، وكيف سينافس في منطقة محاطة بمصافي النفط.
الشركة الاستشارية الأميركية “تينيت” التي تحدث عنها الجراح هي شركة استشارية ليست من فئات الشركات الكبرى أو حتى المتوسطة، فمثل هذه المشاريع تحتاج لشركات استشارية عالمية متخصصة معروف تاريخها العملي في هذا المجال.
أخيراً في العام 1996 جاءت مجموعة إلى الأردن عن طريق احد المسؤولين حينها وتحدث بانفعالية عالية بأن هذه المجموعة تنوي إقامة مشروع مصفاة في العقبة بطاقة استيعابية 250 الف برميل بكلفة استثمار بلغت حينها 2.5 مليار دولار، وتشغل ما يقارب 12 ألف فرصة عمل حسب ادعائهم، وبعد تصريحات إعلامية فضفاضة حينها اختفوا عن المشهد تماما ولم يعد احد يسمع بهم، وكل ما نخشاه اليوم أن يكون هناك من يتلاعب على الساحة الانتخابية في المملكة وتحديداً في محافظة معان لتسويق مشروع يتمنى الجميع وعلى رأسهم كاتب المقال بأن يكون حقيقة وليس كسابقيه نسجا من الخيال أو مشروعا للحصول على أراض وإعفاءات مسبقة ليتم تسويقها في الخارج بغرض الحصول على تمويل.
الغد - الثلاثاء 28-1-2020