برنامج الصندوق الجديد.. الحد الأدنى
كان من المفيد جدا التوصل إلى برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي لتغطية الأربع سنوات المقبلة ضمن اطار اقتصادي متكامل يقدم رؤيا متوسطة المدى لما ستؤول إليه السياسات المالية والاقتصادية .
البرنامج الجديد في جوهره لا يختلف عن البرامج السابقة فهو محكوم بإطار مالي وإجراءات مالية، وإن كان الإعلان الرسمي لم يشر إلى ضرائب جديدة وركز على الجوانب الانتاجية، لكن الصندوق لن يخلع جلده او يتبنى سياسات جديدة تخص الأردن، لكنه أظهر شيئا من المرونة في التعاطي مع التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن وترك الباب مفتوحا أمام الحكومة لكيفية ضبط العجز في الموازنة وتحقيق النمو، وهو المزيج الذي تتبناه الحكومة ولا نختلف عليه كونه اذا نجح سيساهم بتوسيع القاعدة الانتاجية والوعاء الضريبي وتوليد فرص العمل وما يتبع ذلك من نتائج إيجابية.
في الجانب المالي شدد البرنامج على اصلاح الإعانات واشكال الدعم العشوائي المختلفة التي نمارسها، وهنا تحديدا سيشعر المواطن أحيانا بالآثار المترتبة على البرنامج الجديد، لكن فئات الدخل المتدني ستكون من الأطراف المستفيدة حال استكمال بناء قاعدة المعلومات التي بناء عليها ستتم إعادة النظر والاستهداف في باب النفقات الاجتماعية. كذلك سيتم منح معاملة تفضيلية لبعض القطاعات الانتاجية خصوصا في قطاع الطاقة ، وهذا تشوه لا بد من التعامل معه بالتدريج وصولا إلى صيغة جديدة تعالج موضوع التعرفة الكهربائية.
ان معالجة تلك الاختلالات مطلب وطني قبل ان تكون مطلبا للصندوق الذي تحفظ على إجراء المراجعة الثالثة لبرنامجه السابق بسبب الاعتراض على ما تحقق من نتائج خلال السنوات الأولى من عمر ذلك البرنامج الذي استهدف الحد من نمو المديونية ولكن ذلك لم يتحقق لأن النمو المستهدف في الايرادات كان اقل من المستهدف بكثير إلى جانب الكثير من المستهدفات الأخرى التي لم تتحقق.
يحمل الاتفاق والبيان الصحفي الذي أصدره الصندوق العديد من الرسائل الايجابية خصوصا انه يأتي بعد إقرار موازنة مالية للسنة الحالية 2020 وصفت بالتوسعية، وهو يقدم شهادة يحتاجها الأردن للتعامل مع المؤسسات الدولية والدول المانحة، ويقر ضمنيا كذلك، أي الصندوق، انه لا بد من توسيع حلقة الاهتمام لتشمل إجراءات لتحفيز النمو وبعض السياسات لإصلاح بعض الاختلالات الهيكلية التي تشمل سوق العمل وتحسين الانتاجية.
البرنامج الجديد يمثل الحد الأدنى الذي يوفر الاطار العام الكلي للمتغيرات على المستوى الكلي للاقتصاد، ولكنه يشرع الباب امام العديد من الاجراءات التي تتجاوز الإطار المالي فقط، فهناك إشارة إلى المناخ الاستثماري وضرورة العمل على تحسينه ، وهناك إشارات إلى إصلاحات في مجال التأهيل والتدريب والربط مع سوق العمل، بالإضافة إلى تحسين سوية البنية التحتية وغيرها من الاجراءات ذات التأثير بعيد المدى، والسياسات المقترحة بذلك تتجاوز الحزم التحفيزية التي تعالج اختلالات آنية وتؤسس لاستعادة مسألتين غاية في الأهمية هما: الاستقرار والوضوح في السياسات والقدرة على التنبؤ بما هو قادم، ففي غياب ذلك تسود حالة من الضبابية تنعكس على أي قرارات استثمارية، والآن بات البعد المحلي على الأقل واضحا ويمنح القطاع الخاص الفرصة للتخطيط واتخاذ القرارات، فيما الاتفاق سيمنح الحكومة الفرصة للوصول إلى أسواق الائتمان العالمية وتخفيف الضغط على السيولة المالية.
الغد