طاقة السخرية والغضب
على وقع الاحتجاجات الغاضبة على فواتير الكهرباء ضجت مواقع التواصل بالتعليقات الساخرة من ردود وزيرة الطاقة.
يمكن الإيقاع بالمسؤول من خلال انتزاع عبارة أو جملة من سياقها لتحمل ايحاءات تتحول الى فضيحة. لكن بجد فإن قيام الوزيرة بتحميل المواطن الذي يسرق الكهرباء المسؤولية عن ارتفاع الأسعار فهي مغالطة كاملة، ناهيك عن افتقاد الحس السياسي بالتعرض للقضية بهذه الطريقة، وهذه إحدى مشاكل التكنوقراط في التعامل أو التواصل مع الرأي العام.
سرقة الكهرباء ليست شيئا جديدا ويفترض ان نسبتها تراجعت مع التطورات الفنية والساعات الجديدة وأسلوب الرقابة، وأكثر من المنازل فالأهم سرقات الحيتان بجرّ الكهرباء لمزارع ومشاريع كبيرة ونتذكر فضيحة جرّ الكهرباء دون ترخيص لمزرعة وآبار ارتوازية عبر اعمدة ومحولات ضخمة وهو ما لا يمكن القيام به خلسة وبدون تواطؤ.
المهم أن التعاقد مع شركات توزيع الكهرباء يزيح عنها اي مسؤولية عن معالجة الاختلاسات فأرباحها ثابتة ومضمونة من الدولة ( 10 % ) ومن يدفع ثمن أي فوارق أو هبوط في الربح هو الدولة من خلال شركة الكهرباء الوطنية (مملوكة للحكومة) التي تمثل الوسيط بين شركات التوليد والتوزيع ومسؤولة عن الشبكة الوطنية لخطوط الضغط العالي والمتوسط وهي تحدد سعر الشراء من التوليد وسعر البيع للتوزيع بما يضمن نسبة الربح المقررة. ولذا فإن الربط بين السرقات وارتفاع الفواتير هذه الايام لا معنى له ابدا. واذا لم تقصد الوزيرة هذا الربط فإن اثارة الموضوع الآن تعني البحث عن مهرب بإعادة تحميل المواطن وسلوكه السيئ كل المشكلة.
انطباعنا عن الوزيرة زواتي كان ايجابيا جدا من ايام عملها على رأس منتدى الاستراتيجيات الذي كان يقدم أوراقا غنية وآراء تقدمية وتقييمات حرة في مختلف الملفات وكنا نستشهد بها في غير مجال بما في ذلك الطاقة. لكن يبدو ان ذلك شيء والدخول الى عش الدبابير شيء آخر. وملف الكهرباء بل والطاقة عموما وصل الى درجة من التعقيد اصبح معه كل تصريح للوزيرة يرتد عليها كأنه ” تفحيطة ” حتى وهي تقول واقع الحال فالكثير من الحقائق باتت مستهجنة وغير مقبولة.. فائض انتاج الكهرباء عن حمل الشبكة !! فرملة مشاريع الطاقة المتجددة !! انقطاع الطريق على أي توجه جديد بسبب الالتزام القديم بأسعار شاهقة وغرامات باهظة !! وقف التعامل (رغم الغرامات) مع مشروع العطارات للصخر الزيتي !! استمرار مشروع الغاز الاسرائيلي رغم ما يحيط به من شبهات واستدعاء الوزراء السابقين للدفاع عنه!! وهذه الايام ظاهرة الارتفاع الغريب لفواتير كهرباء وتجاهلها حتى ثار غضب الرأي العام فقرر الرئيس تكليف جهة خارجية للتدقيق عليها.
السرقات هي جزء ضئيل ربما من فاقد الكهرباء وتقرير المجلس الاقتصادي الاجتماعي (حالة البلاد 2019) اقترح آلية لمعالجته والزام الشركات بتقليصه الى جانب توصيات مهمة لإعادة هيكلة القطاع وشركة الكهرباء الوطنية ليقتصر دورها على مدير ومراقب ومشغل لشبكة كل من الضغط العالي والمتوسط للنقل الكهربائي وهذا يعني انهاء دور التاجر الوسيط الذي يتحمل الخسائر ويوفر الارباح المضمونة لطرفي المعادلة وهو باب للفساد والانحراف. طالبنا بإغلاقه من سنوات مع مطلب تبديل آلية الدعم لسعر الكهرباء بما يضمن الشفافية في تجارة النفط ومشتقاته وأسعاره وكذلك بقية مصادر الطاقة. والتقرير بالمناسبة يعرج على الطاقة النووية ويعتبر مشاريعها غير مجدية ويطلب فصل تعدين اليورانيوم عنها، وهذا الملف على كل حال اختفى من التداول ولو استمر لأمد الجمهور بطاقة اضافية للسخرية والغضب لا تنضب!
الغد