هل يصطدم الروس والاتراك بسبب ادلب ؟
اذا كان الهدف الاستراتيجي لروسيا في سوريا هي ابتلاع كل البلد مع اعطاء مدن " تحت السيطرة " للايرانيين وواقع ديموغرافي جديد من خلال التهجير والقتل والقصف والتدمير ، مع الاخذ بعين الاعتبار طمأنة الامريكان على مصالحهم ومصالح اسرائيل ، فإن العلاقة مع الاتراك ذات اهمية قصوى ايضا إذا اخذنا في الاعتبار طبيعة هذه العلاقة وحجم المنفعة المتبادلة لكلا الطرفين .
هنا يقفز الى الذهن فورا الجانب الاقتصادي وما يشكله هذا المحور من اهمية ستظل كابحة لاي صدام خطير بينهما :
عندما نتحدث عن دور الاقتصاد في توطيد العلاقات بين الطرفين فإننا ندرج المنفعة الروسية والتركية ضمن علاقات تم التخطيط لها لتكون مستدامة ، ولا بد هنا من أن نذكر بأن آخر المشاريع التي تم بدء العمل عليها ، وهي مشروع " السيل التركي " إنما هو مشروع غير قابل للالغاء ولكلا الطرفين ، وهو المشروع الذي سينقل بموجبه الغاز من روسيا الى اوروبا عبر تركيا : ففيما يتعلق بتركيا ، فإن هذ المشروع سيوفر لها أكثر من 50 % من احتياجاتها من الغاز ، وبتكلفة أقل ، وسيجعل من هذا البلد مركزا مهما لنقل الغاز مما سيرفع من أهمية تركيا بخصوص مشاريع واحتياجات الطاقة عبر العالم ، كما ان واردات تركيا من روسيا سجلت ارقاما مهمة بالنسبة للروس حيث تعدت الـ 19 مليار دولار في العام 2019 وفق خبراء في الوقت الذي وصلت فيه صادرات تركيا لروسيا في العام 2018 الى 3 مليارات دولار فقط ، مسجلة عجزا في الميزان التجاري بين البلدين يصل الى ما فوق الـ 21 % من العجز الكلي ، وهذا الفرق سببه الطاقة التي تستوردها انقرة من موسكو بحكم فقرها بموارد النفط والغاز بشكل عام في الوقت الذي تصدر فيه تركيا لاوروبا وحدها أكثر من 80 مليار دولار من اصل 175 مليار دولار تسجلها الصادرات التركية سنويا ، وهي ارقام تشي بأن مصالح تركيا بالدرجة الاولى هي مع الغرب بالطبع وهو ما تدركه موسكو ، ولكن اهمية الاتراك بالنسبة للروس تكمن في ابعادهم عن اوروبا وعن الناتو ، وكانت بواكير ذلك صفقات الـ أس 400 وطائرات سو 35 وغيرهما ، ما يعني بأن هناك اهدافا استراتيجية روسية في العلاقة مع الاتراك لا نعتقد ان يفرط بها بوتين وإن اختلفت الرؤى بخصوص سوريا .
كما لا يفوتنا التذكير بان حجم السياحة الروسية في تركيا وصل في العام 2019 الى حوالي 7 مليون سائح من اصل 45 مليون سائح يؤمون تركيا سنويا ، ناهيك عن مشاريع البناء التي تطلع بها شركات تركية في روسيا بعدد من المليارات سنويا .
والسؤال : هل هذه المصالح - للطرفين - قابلة للالغاء رغم كل هذا التناقض في ادلب وحلب ورغم الغضب التركي الشعبي والحزبي ؟؟..
نعتقد أن تجارب الاتراك المريرة مع الامريكيين ومع الاوروربيين والناتو عموما ستجعلهم أقل قدرة في الذهاب بعيدا في التنائي عن الروس فما بالك بالصدام معهم ، على اعتبار ان ما يجري في سوريا وفي ادلب بالذات ليس سوى سباق للظفر بما يمكن الظفر به من غنائم وأشلاء بلد تم تدميره وتمزيقه وتشريد شعبه ليس فقط بحثا عن المنافع ـ بل - ايضا - لأن سوريا بلد مهم جدا ، وهو مربط استراتيجي من مرابط النظام الدولي الذي لا يمكن التفريط فيه لصالح الاتراك أو المسلمين " السنة " عموما .
وأمام ذلك كله فإنه ليس من مصلحة موسكو كسر انقرة ، مع انه ليس امام الاتراك سوى ثلاثة مخارج :
الاول : منطقة آمنة جديدة يستحدثونها في منأى عن الروس .
الثاني : عملية عسكرية لطرد النظام وهذا خيار خطير لأنه قد يجر للاصطدام مع الروس .
أما الخيار الاخير فهو اتفاق جديد تعطى تركيا بموجبه شيئا يحفظ لها ماء الوجه ، الامر الذي يعني بأن اردوغان في ورطة حقيقية ، وبأن حزبه داخليا بات على المحك ، أما إن تمكن من ارضاء الشعب والقوى السياسية بخياراته "السورية " فإنه يكون قد ثبت اقدام حزبه واقدامه هو شخصيا في ولاية أخرى ، وإلا فإن خطورة ما يجري في الشمال السوري لن يتجرعها إلا الرئيس وحزبه وأمن تركيا القومي .
جى بي سي نيوز